تحقيقات

اعتقالات واغتيالات واعتداءات جنسية.. صحفيو السودان في جحيم “الجيش”


تواجه الصحفيات والصحفيون في السودان ظروفا تُوصف بالقاسية، خلال الحرب في وقت دعت فيه منظمات محلية ودولية طرفي القتال لتمكين العاملين في مجال الصحافة من القيام بواجبهم المهني، وعدم تعريضهم للمخاطر.

وتعرّض عدد من الصحفيات والصحفيين إلى تعديات وانتهاكات على أيدي عناصر تابعة للجيش السوداني، في عدد من المدن السودانية، بينها مدن لا تشهد أي مواجهات عسكرية، وفق منظمات حقوقية.

وانضم الصحفي صديق دلاي إلى قائمة الصحفيين الذين تعرضوا إلى الاعتقال خلال الحرب الحالية. إذ كشفت نقابة الصحفيين، الثلاثاء، عن اعتقال دلاي، بواسطة قوة من استخبارات الجيش، بمدينة الدمازين عاصمة إقليم النيل الأزرق الحدودي مع دولتي جنوب السودان وإثيوبيا.

وفرّ دلاي من الخرطوم إلى الدمازين البعيدة عن دائرة المعارك، ضمن عشرات الصحفيين الذين شردتهم الحرب، التي دخلت عامها الثاني.

وأشار نقيب الصحفيين السودانيين، عبد المنعم أبو إدريس، إلى أن “اعتقال دلاي جرى على خلفية مقال ندد فيه بحادثة مقتل أحد أقربائه في ولاية الجزيرة بوسط السودان”.

وكان حزب المؤتمر السوداني أعلن الأسبوع الماضي، عن مقتل رئيس فرعيته بمنطقة القرشي بولاية الجزيرة، صلاح الطيب، داخل معتقلات استخبارات الجيش، بينما لم يصدر تعليق من الجيش على الاتهام.

وقال أبو إدريس إن “الصحفيين السودانيين كانوا من أوائل الفئات التي تضررت من الحرب، إذ أنها دارت في منطقة وسط الخرطوم التي تضم غالبية المؤسسات الصحفية”.

ولفت إلى أن المعارك أفقدت أكثر من 90 في المئة من الصحفيين وظائفهم، بسبب تعرُّض مؤسساتهم إلى التخريب والنهب والتدمير، كما أجبرت مئات منهم على النزوح الداخلي، بينما لجأ عشرات إلى عدد من الدول.

ولم يصدر تعليق من الجيش على بيان النقابة.

وتشير بيانات صادرة من نقابة الصحفيين إلى تعرُّض أكثر من 390 صحفيا إلى انتهاكات مباشرة، بجانب تعرض 5 صحفيين وثلاث صحفيات إلى إصابات واعتداء جسدي، بينها حالة اعتداء جنسي.

وتشير البيانات إلى 39 حالة اختطاف وتوقيف واحتجاز، تعرض لها صحفيون سودانيون، بينهم 5 صحفيات، بجانب 28 حالة إطلاق نار، طالت صحفيين، بينهم 10 صحفيات.

“تخوين وتهديد”

وفي أحدث التعديات ضد الصحفيات والصحفيين، تلقت الصحفية سمر سليمان، تهديدات من مجهولين، “مما عرّض حياتها إلى الخطر”.

وقالت سليمان إن “الحرب أجبرتها على مغادرة الخرطوم، والعودة إلى موطن أسرتها الكبيرة في ولاية كسلا بشرق السودان، بعد أن فقدت ممتلكاتها ووظيفتها”.

وأضافت قائلة “بعد وصولي إلى كسلا، انخرطت في نشاط طوعي لتقديم العون إلى النازحين في مراكز الإيواء بالمدنية، الأمر الذي لم يعجب الجيش، إذ تعرضت لتهديدات بالثأر والانتقام، عبر رسائل نصية في تطبيق واتساب، ومن خلال مكالمات هاتفية”.

الصحفية سمر سليمان

وأشار سليمان إلى أن مجهولين قاموا بنشر صورتها في منصات التواصل الاجتماعي، مع تعليقات تزعم أنها ضمن الخلايا النائمة المساندة للجيش.

وأوضحت أن “التهديدات حملت طابع الانتقام والوعيد، بينما ألمح بعضهم إلى التصفية الجسدية، لذلك قامت بفتح 7 بلاغات ضد الذين توعدوها.

وشددت على أنها لا تنتمي إلى أي جهة سياسية، وأنها تلتزم جانب المهنية، وتعمل على تقديم العون للمتضررين من القتال، كما أنها تدعم إيقاف الحرب التي تأذى منها السودانيون.

وفي أبريل الماضي، تعرضت الصحفية عزة إيرا، لاعتداء بواسطة 3 مسلحين وفق نقابة الصحفيين السودانيين.

“قتل وترويع”

الانتهاكات التي طالت الصحفيات والصحفيين في السودان لم تتوقف عند التهديد، ووصلت إلى القتل، إذ لقي 6 من الصحفيين السودانيين مصرعهم خلال الحرب، وفق ما تقول نقابة الصحفيين السودانيين، ومنظمات صحفية أخرى.

وأكدت النقابة مقتل الصحفية سماهر عبد الشافع والصحفية حليمة إدريس والصحفي عصام حسن مرجان والصحفي عصام الحاج والصحفي أحمد يوسف عربي والصحفي خالد بلل، خلال الحرب الحالية.

ويشير أبو إدريس إلى “أن بعض الصحفيين قُتل بنيران الجيش، بينما سقطت قذائق على منازل صحفيين آخرين، مما أدى لمقتلهم”.

وأضاف أن “الصحفيين السودانيين يواجهوان معاناة وتضييقا، وكثيرا ما وجد صحفيون أنفسهم في موضع الشك والتخوين، حينما أبرزوا هوياتهم الصحفية لعسكريين في بعض نقاط التفتيش العسكرية، إذ يتهمهم كل طرف بأنهم يساندون الطرف الآخر”.

كانت شبكة الصحفيين السودانيين دانت في مارس الماضي مقتل الصحفي خالد بلل، وقالت إن “الحادثة تفتح ملف استهداف واغتيال الصحفيين، إذ راح عدد منهم غدرًا، وعلى أيدي أفراد ينتمون للجيش السوداني.

وبحسب بيانات النقابة، فقد توقفت 26 صحيفة ورقية عن النشر، بينما توقف البث في 18 محطة إذاعية وستة محطات تلفزيونية، بينما تعرض أكثر من 29 مؤسسة إعلامية ومكتب صحفي للتدمير والإغلاق.

 

يعتبر اليوم العالمي لحرية الصحافة، المحدد من قبل الأمم المتحدة في اليوم الثالث من شهر مايو كل عام، مناسبة لتسليط الضوء على واقع هذه الحرية والتحديات التي تواجهها وتقوضها، وفرصة لتقديم جردة حساب سنوية للانتهاكات التي تعرض لها الجسم الإعلامي والصحفيين حول العالم، ما من شأنه أن يقدم صورة عن المخاطر والاستحقاقات التي تهدد واحدة من أبرز مقومات الديمقراطية حول العالم. 

بدوره يرى الخبير الأمني، اللواء عبد الهادي عبد الباسط أن “كثيرا من الصحفيين الذين ينتمون إلى قوى الحرية والتغيير، أو يساندونها، كانت مواقفهم سالبة خلال الحرب الدائرة في السودان”.

ويلفت أبو إدريس إلى أن “أوضاع الصحفيين السودانيين الحالية، تعد الأسوأ منذ سنوات طويلة، إذ إن الخطر سيلاحقهم حتى مع توقف الحرب، لأنهم لن يجدوا مؤسسات تستوعب كثيرين منهم، بسبب النهب والدمار الذي لحق بها”.

ويواجه الصحفي عماد عبد الهادي بلاغات جنائية تتعلق بالجرائم ضد الدولة، وإثارة الحرب وتقويض النظام الدستوري، وذلك ضمن لائحة اتهام شملت 49 شخصاً من القيادات المدنية في مدينة النهود بولاية غرب كردفان.

ويشير منتدى الإعلام السوداني، إلى أن “العنف الممنهج والقتل والتدمير والمطاردة طال مئات الصحفيين والمؤسسات الصحفية والإعلامية خلال الحرب”.

وقال المنتدى في بيان، الأسبوع الماضي، إن “الجيش لن يتوقف عند قمع أجهزة الإعلام الحر، وإسكات صوتها بقوّة السلاح.

 وقد كانت السلطات السودانية أغلقت في أبريل الماضي، مكاتب قنوات العربية والحدث وسكاي نيوز، قبل أن تتراجع عن قرارها بخصوص قناتي العربية والحدث، بينما لا يزال مكتب قناة سكاي نيوز مغلقا.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى