استجابة لضغوط أوروبية وأمريكية.. دمشق تتحرك لحسم ملف المقاتلين الأجانب

شنت قوى الأمن العام حملة واسعة ليل الثلاثاء/الأربعاء على مخيم يقطنه مقاتلون أجانب، في مدينة حارم بريف إدلب الغربي، وأسفرت العملية عن سقوط عدد من القتلى والجرحى، إلى جانب اعتقال عناصر فرنسيين كانوا يقاتلون ضمن فصائل متشددة، وفق ما أفاد به “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.
وتُعدّ هذه العملية الأمنية التي استهدفت ما يُعرف بـ”مخيم الفرنسيين”، والذي يضم كتيبة “الغرباء” بقيادة الجهادي الفرنسي السنغالي الأصل عمر أومسين، أول تحرك ميداني مباشر يستهدف الوجود الجهادي الأجنبي في مناطق النفوذ السوري بعد التغيرات السياسية الكبرى التي شهدتها البلاد منذ أواخر عام 2024.
وفقاً لتقارير حقوقية ومصادر مطلعة، فإن هذه الخطوة تأتي في إطار استجابة الرئيس السوري أحمد الشرع لضغوط غربية متصاعدة، وعلى رأسها فرنسا، التي تطالب منذ سنوات بترحيل مواطنيها المنتمين إلى الجماعات المتشددة، والذين قاتلوا في صفوف تنظيمات متشددة خلال الحرب السورية. وقد وعد الشرع حينها بإنهاء الوجود الجهادي الفرنسي على الأراضي السورية وتسليم المطلوبين إلى باريس.
مدير #المرصد_السوري: الاشتباكات مستمرة منذ ليلة أمس بين جهاديين فرنسيين وقوات الأمن العامhttps://t.co/pgroVLVmAW pic.twitter.com/SM1YarOsvy
— المرصد السوري لحقوق الإنسان (@syriahr) October 22, 2025
وتعكس العملية، التي وصفها مراقبون بأنها “حاسمة وخطيرة”، توجهاً سياسياً واضحاً من جانب دمشق نحو إعادة تشكيل صورتها الخارجية، والابتعاد عن الإرث الثقيل لتحالفات الحرب، خصوصاً مع المقاتلين الأجانب الذين شكلوا ثقلاً عسكرياً في بعض المراحل، لكنهم باتوا اليوم عبئاً سياسياً وأمنياً.
وبحسب شهود ومصادر ميدانية، اندلعت مواجهات عنيفة فور بدء اقتحام المخيم، حيث استخدمت قوات الأمن أسلحة خفيفة ومتوسطة، ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من الجانبين، وسط معلومات غير مؤكدة عن إصابة أو فرار عمر أومسين، الهدف الرئيسي للعملية.
وأفادت مصادر أمنية إلى أن الاقتحام جاء بعد تقارير استخباراتية حذّرت من وجود تهديدات داخل المخيم، فضلاً عن محاولات لبعض العناصر التخطيط لهجمات ضد مواقع حكومية، أو الترتيب للفرار باتجاه الحدود التركية. وأكدت هذه المصادر أن الأولوية كانت لحماية المدنيين، خصوصاً النساء والأطفال، ومنع امتداد الاشتباكات إلى مناطق أخرى شمالي إدلب.
لكنّ العملية، رغم نجاحها النسبي، تثير قلقاً أمنياً متزايداً في المنطقة، إذ يخشى مراقبون من أن تؤدي إلى ردود فعل عنيفة من جماعات جهادية أخرى، خصوصاً تلك التي كانت تقاتل الى جانب قوات الشرع. ويُخشى أن تتحول هذه الخطوة إلى شرارة لموجة من التمرد داخل صفوف المقاتلين المتشددين، الذين قد يعتبرون الإجراءات الأخيرة خيانة لتحالفات الحرب.
وفعلا فقد أعلن المهاجرون الأوزبك دعمهم للمهاجرين الفرنسيين في صراعهم مع الأمن العام وفق المرصد السوري.
#المرصد_السوري
مع استمرار الاشـ ـتـ ـبـ ـاكـ ـات.. الـ ـمـ ـهـ ـاجـ ـرون #الأوزبك يعلنون دعمهم للـ ـمـ ـهـ ـاجـ ـريـ ـن #الفرنسيين في صـ ـراعـ ـهـ ـم مع الأمـ ـن العامhttps://t.co/woffRRp6Dn— المرصد السوري لحقوق الإنسان (@syriahr) October 22, 2025
وبينما تستمر عمليات التمشيط في محيط المخيم، أكدت مصادر من داخل “الكتيبة الفرنسية” أن ما يجري ليس مجرد حملة اعتقال، بل محاولة منهجية لتفكيك كتيبة “الغرباء” بالكامل، وتسليم أفرادها للسلطات الفرنسية.
وفي المقابل، أصدرت الجماعة بياناً اتهمت فيه الحكومة السورية بـ”تنفيذ أجندة خارجية”، واعتبرت أن هذه العمليات تجري بتنسيق مباشر مع الولايات المتحدة وفرنسا ضمن التحالف الدولي ضد الإرهاب، في محاولة واضحة لخلق سردية مضادة تبرر تمسكهم بالبقاء والقتال.
وبالنسبة للرئيس أحمد الشرع، فإن هذا التحرك يمثل اختباراً داخلياً وخارجياً بالغ الحساسية. ففي الوقت الذي يسعى فيه إلى تقديم نفسه للعالم باعتباره زعيماً جديداً لسوريا “ما بعد الحرب”، يتوجب عليه التخلص من إرث التحالفات مع الجماعات المتشددة التي لطالما كانت ورقة ضغط وابتزاز دولي ضد دمشق. وكان قراره بضم جهاديين أجانب لصفوف الجيش قبل أشهر قد أثار انتقادات داخلية وخارجية واسعة.
إلا أن هذا الانفصال عن الجهاديين الأجانب اليوم قد لا يمر دون ثمن. إذ أن الجماعات التي دعمت بقاء النظام خلال الفترات الحرجة، قد ترى في هذه العمليات انقلاباً على التفاهمات الضمنية، ما يزيد من احتمالات الفوضى الأمنية، أو حتى المواجهة المسلحة بين فصائل كانت حليفة حتى وقت قريب.
وفي النهاية، يفتح اقتحام “مخيم الفرنسيين” الباب أمام مرحلة جديدة في العلاقة بين النظام السوري والمجتمع الدولي، لكن في الوقت نفسه، يضع النظام أمام تحديات داخلية كبيرة، أبرزها احتواء تداعيات هذه التحركات، ومنع تفجر الوضع الأمني من جديد في شمال البلاد، حيث لا تزال الأرض خصبة للفوضى، والانفجارات المفاجئة في التحالفات القديمة.