إيران وذكرى اغتيال سليماني


تستعيد إيران، الذكرى الثالثة لاغتيال قائد فيلق القدس الذراع الخارجية للحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني، لكنها لم تستوعب الصدمة بعد.

بالرغم من كل هذه السنين لم تفق المؤسسة العسكرية الإيرانية ونظامها من الضربة الأمريكية التي بعثرت الخطط التي أهدرتها على مليارات الدولارات في الترويج لمشروع “تصدير الثورة”.

ضربة أمريكية بطائرة مسيرة جعلت النظام الإيراني في دائرة ضيقة للخروج من هذه الصدمة وكيفية الرد عليها أو على الأقل امتصاصها. لأن المستهدف هو سليماني أقوى رجل عسكري في إيران واليد اليمنى للمرشد علي خامنئي، كما يصف بعض المسؤولين.

حينها اكتفى الحرس الثوري بتوجيه ضربة صاروخية على قاعدة عين الأسد التي تتمركز بها القوات الأمريكية بمحافظة الأنبار غربي العراق. بعد أيام من اغتيال قاسم سليماني دون أن توقع قتلى، وفق الرواية الأمريكية.

خليفة سليماني

وما يؤكد أن إيران لم تتمكن بعد من سد الفراغ الذي أحدثه غياب سليماني. ما قال المرشد علي خامنئي، الأحد الماضي خلال استقباله عائلة الرجل: “صحيح أن الجنرال إسماعيل قاآني خليفة سليماني في قيادة فيلق القدس ملأ الكثير من الثغرات. لكننا لم نصل بعد إلى تحقيق الجميع”.

بدا واضحا أن تعبير علي خامنئي عن مثل هذه الجمل غير مسبوق. خاصة في الوضع الحالي للحكومة وانتفاضة الإيرانيين على مستوى البلاد.

حيث تأسف عدد من الأشخاص المعتمدين على نظام طهران على فقدان قاسم سليماني لحل هذه الأزمة المتصاعدة، والفجوة والخلاف بين الحرس والمرشد.

والآن يبدو أن خامنئي، بينما يمجد قاسم سليماني، يحاول تقليص التفسيرات والروايات الحالمة أو الخيالية التي قدمتها المؤسسات والأفراد المرتبطون بالحكومة في مدح سليماني ومنع تراجع القوات التي كانت تحت إمرته في مسألة قمع وقتل المتظاهرين.

وكان الجنرال إسماعيل قاآني هو نائب قاسم سليماني في قوات فيلق القدس قبل أن يتولى هذا المنصب في يوم اغتيال القائد السابق للفيلق.

وبعد مقتل قاسم سليماني بأمر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، نشرت المطبوعات التابعة للمؤسسات الحكومية الإيرانية ووزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي العديد من الكتب وأعمال الفيديو بأموال عامة وبهدف إضفاء الطابع الأسطوري.

ونشرت تقارير مصورة عن علاقة سليماني المتسامية مع أئمة الشيعة المعصومين ووجوده المتزامن في عدة أماكن مختلفة. وصولا إلى وجوده السري في البيت الأبيض والاستماع إلى محادثات مع الرئيسين الأمريكيين السابقين باراك أوباما ودونالد ترامب الخاصة.

والآن، مع المرسوم الجديد الذي أصدره علي خامنئي، ليس من الواضح ماذا ستكون نتيجة هذه الكتب والروايات الخيالية.

من يملأ الفراغ؟

الجنرال “محمد جعفر أسدي”، القائد السابق للمستشارين العسكريين الإيرانيين في سوريا. قال في حديثه اليوم الثلاثاء لوكالة أنباء “تسنيم” إن “الجنرال قاآني لديه قيادة جيدة واستطاع أن يملأ الفراغ الذي تركه الحاج قاسم إلى حد كبير”.

وأضاف الجنرال أسدي: “نحن في ظل ذروة الاضطرابات (الاحتجاجات)، نفتقد قاسم سليماني، لهذا نحن اليوم بحاجة إليه”.

وفي الآونة الأخيرة، ظهرت تصريحات لكبار المسؤولين في الحرس الثوري تشير إلى وجود انقسام داخل هذه المؤسسة العسكرية مع المرشد علي خامنئي تجاه الاحتجاجات التي تسببت بها وفاة الشابة الكردية مهسا أميني على أيدي شرطة الآداب في طهران.

من جانبه، قال اللواء علي رضا حيدري نيا قائد قوات الحرس الثوري بمحافظة البرز شمال إيران: “في هذه الأيام نشعر بغياب سليماني أكثر من أي وقت مضى، لأنه كان جنديا مطيعا للمرشد علي خامنئي بمعنى الكلمة ومن المسؤولين الثوريين”.

وهاجم من وصفهم بـ”المستفيدين من طاولة الثورة”. قائلا: “لكن الآلاف في هذا البلد الذين استفادوا من طاولة الثورة ترددوا في الدفاع عنها في الأحداث الأخيرة، كثير من مسؤولينا لديهم بصيرة، ولكن هناك أيضًا من عليهم أن يجدوا طريقهم في غبار الفتن”.

من جهة أخرى، قالت صحيفة “كيهان” التي يمولها مكتب المرشد علي خامنئي، الثلاثاء، إن قاآني نسخة أخرى من سليماني.

وأضافت في تقرير لها: “مرت ثلاث سنوات على اغتيال سليماني، لكنه لا يزال حياً على قيد الحياة أكثر من أي وقت مضى. وقد أعيد إنتاج سليماني وعلى هذا الأساس وبفضل الله رأينا أن إسماعيل قاآني نسخة أخرى من نفس قاسم سليماني”.

من جهته، قال مستشار المرشد الإيراني للشؤون العسكرية اللواء رحيم صفوي، إن “سليماني لم يكن قائداً عسكرياً فحسب. بل كان أيضاً دبلوماسياً سياسياً اجتمع بسهولة مع رؤساء روسيا وتركيا وسوريا وناقشوا القضايا الإقليمية والعالمية”.

وأضاف صفوي: “نظم أكثر من 22 لواء من الحشد الشعبي في العراق لمحاربة داعش باسم القوى الشعبية، وفي سوريا نظم ما يقرب من ستين إلى سبعين ألف عنصر قوات الشعب السوري إلى جانب الجيش”.

فيما اعتبر وزير الداخلية في حكومة إبراهيم رئيسي والقائد السابق في الحرس الثوري، اللواء أحمد وحيدي، أن “سليماني الوجه الثالث للثورة بعد الخميني وخامنئي، وهذا ما جعلنا نشعر بفقدانه وخسارته التي لم تعوض”.

سليماني بنظر الإصلاحيين

عدد من الإصلاحيين الإيرانيين رأوا أن قاسم سليماني، تم تحويله من وجه وطني إلى وجه فصيل معين (التيار المتشدد).

وقال المتحدث باسم جبهة الإصلاح، علي شكوري راد في حديثه لوكالة “خبر أون لاين”، إن الوجه “الوطني” الرمزي لسليماني تحول إلى وجه “فصيل”. مشيراً إلى أنه حاول قبل اغتياله رفع الإقامة الجبرية والقيود المفروضة على الرئيس الأسبق وزعيم الإصلاحيين محمد خاتمي.

وأضاف شكوري راد أن “الشخصية التي أظهرها سليماني في حياته جذبت الناس، والشخصية التي ظهرت بعد اغتياله من قبل بعض الناس، خاصة وسائل الإعلام الوطنية وجهاز الدعاية الرسمي للبلاد، وللأسف أحيانًا انضمت عائلة سليماني أيضًا إلى هذا النهج. مما تسبب في انخفاض شعبيته وتحول من الشخصية الرمزية الوطنية إلى فئوية”.

وأضاف: “على الرغم من حقيقة أن المتشددين وضعوا سليماني على صدرهم اليوم، إلا أنهم ربما كانوا سعداء باغتياله، للأسف وبسبب الدعاية الرسمية في البلاد، هناك سوء تفاهم لدى البعض بشأنه، وأشعر بالحزن لأرى أنه في بعض الأحيان يتم توجيه الشتائم إليه أو على صوره يعود ذلك في الغالب إلى التأثير السيئ للدعاية الرسمية عنه”.

حرق صوره

وفيما تحاول إيران جعل الذكرى الثالثة لقاسم سليماني تبدو مزدهرة مع دعاية مكثفة وإنفاق ميزانيات كبيرة، انتشر في الفضاء الإلكتروني مقاطع فيديو تحترق لافتات وصور للقائد السابق لفيلق القدس في مدن مختلفة في إيران.

وانطلقت الليلة الماضية دعوات عبر منصات الإنترنت تحث المحتجين الإيرانيين على إحراق صور سليماني وإحياء ذكرى إسقاط طائرة الركاب الأوكرانية التي أسقطها الحرس الثوري بصاروخ قرب طهران في الثامن من يناير/كانون الثاني 2020.

وفي الأيام الأخيرة، نشرت وسائل الإعلام المحلية الإيرانية، في عمل منسق وقيادي، خطبا في المديح والثناء لقاسم سليماني بلغة المسؤولين الحكوميين، وغطت الأخبار المتعلقة بحفل الذكرى السنوية لسليماني.

وتثبت التقارير والصور الخاصة لوسائل الإعلام الحكومية من حفل الذكرى السنوية لسليماني في مختلف البلدان.

وخلال الأيام القليلة الماضية، أقيمت احتفالات خاصة بذكرى سليماني في مدن مختلفة من إيران، بما في ذلك أردبيل وشيراز، وأجرت المؤسسات الحكومية استعدادات مكثفة لعقد مراسمه في طهران وكرمان.

كما أعلن علي رضا نادالي، المتحدث باسم مجلس مدينة طهران، في مقابلة مع وكالة أنباء تسنيم، عن مشاركة البلدية في إقامة حفل سليماني.

ولم توضح السلطات الإيرانية تكاليف حفل الذكرى السنوية لقاسم سليماني، الممول من الميزانية العامة. لكن الأدلة تكشف أنه رغم من كل الجهود المبذولة لجعل قاسم سليماني يبدو شعبياً، فإن صور ولافتات “قائد القلوب” تحترق باستمرار بالرماد، وهي مصادفة في مدن مختلفة من إيران.

وأصبح حرق لافتات وصور قاسم سليماني، الذي بدأ في نفس وقت احتجاجات الشعب، أحد الرموز العالمية للانتفاضة الإيرانية وما زال مستمراً.

وانتشرت خلال الأيام الماضية مقاطع فيديو لصور قاسم سليماني ولافتات وتماثيل يتم إحراقها في مدن مثل كرمان وقم وشاهسوار وأمل وزاهدان وخاش ونيشابور والأهواز وتنكابن وكرج وقشم وطهران.

وأحرق أهالي كرمنشاه وأردبيل، مساء الإثنين، صور القائد السابق لفيلق القدس، كما انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو لحرق لافتات عليها صور سليماني على طريق طهران السريع (شريعتي).

وكان قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قد قتل في غارة جوية استهدفت موكب سيارته وقادة من جماعة الحشد الشعبي في مطار بغداد في يناير 2020. حيث قالت البنتاجون حينها إن الهجوم نفذ بأوامر من الرئيس دونالد ترامب.

Exit mobile version