سياسة

«عنكبوت الإخوان» بأوروبا يسلم أختامه


لسنوات طويلة، سيطر إبراهيم الزيات؛ أو “عنكبوت الإخوان“، على مشهد الإخوان في أوروبا، انطلاقا من ألمانيا، وتحكم في أختام شؤونها المالية.

لكن يبدو أن العنكبوت يسلم أختامه المالية إلى وجه آخر، ربما أكثر غموضا وإثارة للجدل، يتخفى خلف ستار أكاديمي لكنه يسيطر على خيوط الجماعة في أوروبا شيئا فشيئا.

الوجه الآخر أو الوجه الجديد_القديم هو صبري شريف الذي وصفته صحيفة “دي فيلت” الألمانية بأنه “أكاديمي لا يحب الظهور العلني ويحرك الخيوط بهدوء”، ويزحف تدريجيا على إرث إبراهيم الزيات. 

فإن شريف هو الرجل الأول في المنظمات المرتبطة بالإخوان في ألمانيا حاليا، وبدأ رحلة السيطرة على مفاصل الجماعة في أوروبا، بداية من ذراعها المالية الأشهر، فيما يبدو عملية تبديل للوجوه من الزيات إلى شريف. 

من هو إبراهيم الزيات؟

وتضع هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية) في ألمانيا، الزيات تحت رقابتها منذ سنوات؛ حيث قاد لفترة طويلة منظمة الجالية المسلمة الألمانية؛ الستار الذي يختفي خلفه الإخوان في ألمانيا.

الزيات شغل أيضا، منصب مدير مؤسسة “أوروبا ترست” الذراع المالي للإخوان في الفترة من 2005 إلى 2014.

تحركات الإخوان باتت مكشوفة إلى حد كبير في أوروبا

كما يتولى الزيات موقعا مسؤولا في مجلس إدارة منظمة الإغاثة الإسلامية التي قالت مذكرة حكومية ألمانية قبل سنوات، إن فرعها في برلين؛ يملك صلات شخصية مهمة بالإخوان، وصلات مؤسسية بمنظمات قريبة من الجماعة. 

لذلك، تصف التقارير الرسمية لهيئة حماية الدستور “الاستخبارات الداخلية” في ألمانيا، الزيات بأنه “مثل العنكبوت في شبكة المنظمات لتابعة للإخوان في أوروبا. 

قال هايكو هاينش، الكاتب والباحث النمساوي الذي كتب تقييما استندت إليه السلطات في فيينا في مداهمتها ضد الإخوان قبل سنوات، إن “الزيات يعد أهم الشخصيات المركزية في شبكة الإخوان بأوروبا، ويرتبط ارتباطا وثيقا مع كل التنظيمات المتطرفة في الشرق الأوسط، والمؤسسات الإسلامية في تركيا، خاصة ميللي جورش (الرؤية الوطنية)”.

وكشف هاينش عن أن “الزيات هو العنكبوت الذي يربط خيوط شبكة الإخوان ببعضها، ويحمل أختام دفاترها المالية”. 

الانسحاب الهادئ

لكن يبدو أن الرجل الذي تصدر مشهد الإخوان في أوروبا لسنوات طويلة، ينسحب من المشهد المالي للإخوان شيئا فشيئا، لصالح صبري شريف، الذي يزحف بشكل تدريجي على ملفات العنكبوت.

وشريف يتولى حاليا منصب نائب رئيس منظمة الجالية المسلمة الألمانية، كما أنه صعد في يونيو/حزيران الماضي، لمنصب مدير شركة “أوروبا تراست” تتضمن إفادة الشركة للحكومة البريطانية، بتعيين مدير جديد.

وولد صبري شريف في بنغازي، ودرس في جامعة وينيبيغ في كندا، حيث حصل على درجة البكالوريوس في الرياضيات التطبيقية والتربية ودرجة الماجستير في الفيزياء، وفق موقع منظمة الجالية المسلمة الألمانية على الإنترنت.

ويعيش شريف في ألمانيا منذ أكثر من 20 عامًا، وكان نشطًا بشكل خاص في مسجد المهاجرين المرتبط بالإخوان في بون، حيث كان نائبًا لرئيسه منذ عام 2004.

ويدير الرجل حاليًا وكالة لرحلات الحج في بون، وهو عضو مجلس إدارة مسجد المهاجرين.

 ومنذ عام 2019، يشغل منصب نائب رئيس الجالية المسلمة الألمانية التي تقع مكاتبها في برلين في مبنى اشترته مؤسسة “أوروبا تراست” نفسها قبل سنوات، مقابل 4 ملايين يورو، وأثار ضجة كبيرة في السياسة الألمانية.

وفي نهاية المطاف، لا يقتصر استخدام المبنى المثير للجدل على منظمة الجالية المسلمة الألمانية فحسب، بل تستخدمه أيضًا الجمعيات والمراكز التعليمية المرتبطة بالإخوان.

وبالعودة عقدين إلى الخلف، جرى إنشاء “أوروبا تراست”، بمبادرة من المنظمة الأوروبية الجامعة للمنظمات المرتبطة بالإخوان “مجلس مسلمي أوروبا”، الذي شغل فيه شريف مناصب مؤثرة.

ومن بين أمور أخرى، شغل شريف منصب رئيس قسم الشؤون المالية في مجلس مسلمي أوروبا لمدة عامين.

وبفضل هذه الخبرة، فإن شريف على دراية بالمشاريع التي تطمح لها الإخوان، وقد تجلى ذلك قبل عام في فرانكفورت وسط ألمانيا.

وفي منطقة غريزهايم، طلب المركز الإسلامي في فرانكفورت (IZF)، التبرعات، بزعم شراء قطعة أرض مجاورة لمقر المركز بغرض توسعته، إلا أن تحقيقا سابقا لصحيفة “دي فيلت” الألمانية، كشف بعد ذلك أن من اشترى قطعة الأرض ليس المركز الإسلامي في فرانكفورت، بل منظمة الجالية المسلمة الألمانية التي تصنفها السلطات الألمانية “معادية للدستور”، فيما وصف صحفيا بـ”عملية خداع واحتيال مالي”.

لم تكشف منظمة الجالية المسلمة الألمانية عن كيفية جمع الاستثمارات المطلوبة والمقدرة بعشرات الملايين من الدولارات لتوسعة المسجد، لكن الخطط توقفت بعد كشف عملية الاحتيال.

وبالإضافة إلى الشؤون المالية، تولى شريف أيضا، رئاسة قسم الشباب والطلاب في مجلس مسلمي أوروبا لمدة 4 سنوات، ثم تولى بعد ذلك رئاسة قسم العلاقات الخارجية، ما يعني أنه يمسك بخيوط الجماعة في أوروبا بشكل جيد. 

وفي هذا السياق، قالت الخبيرة الألمانية، سيغرد مارشال “تم تسجيل صبري الشريف كمدير لـ”أوروبا تراست” في منتصف شهر يونيو/حزيران الماضي في السجل التجاري البريطاني، وهو يشغل منصب نائب رئيس الجالية المسلمة الألمانية منذ عام 2019″.

تحركات الإخوان باتت مكشوفة إلى حد كبير في أوروبا

وأضافت: “لقد اتضح في الماضي مرارًا وتكرارًا أن الأشخاص الذين يشغلون مناصب في مجلس إدارة الجالية المسلمة الألمانية قد تولوا بعد ذلك وظائف أخرى في شبكة المنظمات” التابعة للإخوان“.

وتابعت: “ترأس شريف لمدة عامين قسم الشؤون المالية في اتحاد مسلمي أوروبا ولمدة 4 سنوات قسم الشباب والطلاب، ثم تولى رئاسة قسم العلاقات الخارجية.. إذًا إدارة “أوروبا تراست” ليست أول مهمة دولية له، ولكنها تعكس سنوات عديدة من المشاركة في إدارة هذه المنظمات”.

خطر تولي إدارة “أوروبا تراست”

في ألمانيا، هناك قلق من جمع صبري بين النفوذ الكبير في مؤسسات الإخوان، وإدارة “أوروبا تراست”، في ظل ما يحيط بالأخيرة من شكوك.

ووفق صحيفة “دي فيلت” الألمانية، فإن مؤسسة “أوروبا ترست” تخدم الإخوان كأداة مالية مركزية للترويج للمشاريع في جميع أنحاء أوروبا.

في هذا السياق، تعد السوق الألمانية جذابة للغاية ويمكن أن تكون مركز للتحركات المالية للمؤسسة، بعد سنوات من شرائها عقارا في برلين بـ4 ملايين يورو، تحول فيما بعد لمقر منظمات تابعة للإخوان، من بينها الجالية المسلمة الألمانية.

وبحسب الصحيفة، لا يزال الغموض يكتنف عملية دخول الـ4 ملايين يورو، إلى ألمانيا ومصدرها، فيما تضاعفت قيمة العقار في العاصمة الألمانية.

وفي دراسات وتقارير سابقة، دأب لورينزو فيدينو، الباحث المتخصص في شؤون الإخوان، على وصف “أوروبا تراست” بأنها “واحدة من أهم منظمات جماعة الإخوان المسلمين، التي تدير أموال شبكة الجماعة وعقاراتها”. 

وأوضح فيدينو إن المؤسسة “تعمل بهدوء، لكنها مهمة للغاية بالنظر إلى مهمتها”، وهذا هو السبب في أن الأشخاص الذين شاركوا في إدارة “أوروبا تراست” على مر السنين، وبينهم إبراهيم الزيات وصبري شريف، من كبار أعضاء جماعة الإخوان.

وقبل عامين، حذر سنان سيلين، نائب رئيس هيئة حماية الدستور “الاستخبارات الداخلية”، من أن إمكانيات كشف عمليات تدفق الأموال في أوساط الإسلام السياسي “محدودة للغاية”، ما يجعل نشاط “أوروبا تراست” خطر للغاية. 

هل صبري بديل الزيات؟ 

تجمع نقاط عدة بين صبري والزيات، إذ أن نشاط الرجلين بدأ من قلب الجالية المسلمة في أوروبا، وكلاهما تخصص في إدارة الشؤون المالية للجماعة بالقارة، بل تولى كلا منهما مناصب مالية قيادية في سلم الإخوان، ما يغذي فرضية أن الأول يزحف ليحل محل الثاني.

في هذا السياق، قالت سيغريد هيرمان “يبدو أن شريف أقرب إلى موظف يذهب إلى حيث يتم إرساله.. ومن المؤكد أن وظائفه المتعددة ترسم صورة مماثلة لصورة الزيات”.

قبل أن تستدرك “لكن الزيات لم يختفِ أيضًا، بل يتولى مهام أخرى لا يعرفها عامة الناس”.

وفيما يتعلق بإمكانية تولي شريف قيادة الجماعة في أوروبا مستقبلا، قالت “لا توجد طريقة لمعرفة ذلك، فالأمر ليس تلقائيًا.. وأعتقد أيضًا أن الأمر يتعلق بجماعة، جزء منها أكثر وضوحًا للجمهور، والجزء الآخر أقل وضوحًا”.

وتابعت “ومع ذلك، يبدو أن الأشخاص الذين ينشطون حاليًا (في القيادة) في أفضل حالاتهم الصحية ولم يبلغوا من العمر بعد ما يجعل من الضروري التفكير في من سيخلفهم”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى