هل تُصبح أفغانستان مجرد ولاية لـ”خُراسان”؟ أم تتمكن “طالبان” من إحكام سيطرتها على هذا البلد الآسيوي؟
سؤالان يكشفان عمق المأساة، التي تعيشها أفغانستان، ولسوف يُصبح العالم أسير هذه المأساة، وليس فقط الأفغان، الذين كانوا يبحثون عن حياة ما تحت عجلات وأجنحة طائرة أمريكية كانت تُقلع من مطار كابول.
مأساة أفغانستان أكبر من أن نختزلها في معاناة المرأة الأفغانية أو قضية الرأي وحرية التعبير أو حتى حقوق الإنسان، رغم أهمية هذه القضايا والحقوق، فمأساة العالم الحقيقية هي تهديد أمنه واستقراره.
ظهر ذلك بعد أن شن تنظيم “داعش خرسان” هجماته الصاروخية وتفجيره مطار كابول، الذي خلّف عشرات القتلى والمصابين في عملية وصفت بأنها “نوعية” وأنها “لن تكون الأخيرة”.
فمنذ قررت الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب بقواتها من أفغانستان، بات السؤال: هل تحولت أفغانستان إلى بيئة حاضة للإرهاب؟ وتناسى الباحثون ماضي “طالبان”، التي تحاول أن ترتدي ثوبًا جديدًا حاليا بتصريحاتها، بحثا عن شرعية داخل أفغانستان وشرعية دولية، فيما نجح تنظيم “داعش خُراسان” في تنفيذ عمليتين نوعيتين، إحداهما خلفت عشرات القتلى والجرحى، والأخرى فشلت بسبب مضادات الصواريخ التي نشرتها القوات الأمريكية على مطار كابول، فسقطت “الكاتيوشا” دون وقوع إصابات.
ولأن القتلى من الأفغان المتعاونين مع القوات الأمريكية والأمريكان أنفسهم، فلم نسمع من “طالبان” ردا على هذه الهجمات عبر إلقاء القبض على المنفذين أو استهداف مَن خطط لهذه الهجمات.
لقد عبّرت “طالبان” عن سعادتها وانتصارها بخروج القوات الأمريكية، غير أن تجربتها هذه المرة تبدو مختلفة، فهي لا تريد أن تكرر ما حدث لها عام 2001، حين استفزت العالم بتصريحات قادتها ووممارساتهم السلطة، أما “القاعدة” و”داعش خرسان”، فهما تنظيمان إرهابيان معنيان بالقتال وليس بالانخراط في عملية سياسية، فهما يريدان مواصلة القتال حتى يصلا إلى السلطة.
لا بد أن يتعامل المجتمع الدولي مع مرحلة ما بعد “طالبان” و”داعش خراسان”، بعد أن أصرت دول كبرى أن تكون معركتها في وسط آسيا، وأن تكون التنظيمات الإرهابية أهم أدوات هذه المعركة، فقد أرادت هذه الدول الكبرى نقل “داعش” من مرحلة الدولة، التي سقطت في 22 مارس 2019، إلى مرحلة “شبح الدولة” في أفغانستان، وهو ما يصعب معه مواجهته هناك.
لقد تأخر المجتمع الدولي في مواجهة “داعش”، الذي أعلن دولته في الرقة والموصل في 29 يونيو عام 2014، وهو ما أبقى هذه الدولة خمس سنوات كاملة حتى تم الإعلان عن سقوط وهم دولته بتشكيل تحالف دولي لمواجهته من ثمانين بلدا، ورغم ذلك بقي “داعش” ووجوهه المستعارة بسبب عدم الاستمرار في مواجهته، فما بالنا بإعطائه فرصة ليتمدد في مساحة أكبر، كأفغانستان، تتوفر له فيها الحماية.. هذا يخلق كرة نار ستحرق العالم بأكمله إن لم ينتبه قادته ودوله العظمى، لذا على المجتمع الدولي أن يبادر بالتفكير في معالجة ما طرأ في أفغانستان، وأن يُبطل مفعول القنبلة، التي زرعتها الولايات المتحدة الأمريكية هناك قبل فوات الأوان.