واشنطن لا تريد لموسكو الانفراد بالساحة الليبية
ضاعفت الولايات المتحدة اهتمامها بليبيا، بالتوازي مع محاولة روسيا تثبيت أقدامها في هذا البلد، في مؤشر على احتدام المنافسة والصراع بين القطبين على البلد الغني بالنفط وسط استمرار حالة الانسداد السياسي الذي يعرقل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية طال انتظارها.
وزار المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند العاصمة طرابلس (غرب) وبنغازي (شرق) في 21 ديسمبر/كانون الاول، بينما كانت بنغازي وجهة يونس بك يفكيروف نائب وزير الدفاع الروسي، حيث التقى قائد الجيش الليبي خليفة حفتر. وسبقت هاتان الزيارتان زيارات أخرى منذ بداية 2023 من مسؤولين سياسيين واستخباريين، واعتبر مراقبون أن الجانب الروسي يسعى إلى تأمين تواجده شرقي ليبيا، فيما تحاول واشنطن تمكين حفتر في البلاد باعتباره يحمل الجنسية الأميركية.
وتؤكد المصادر أن الدور الروسي بدأ في التزايد على الساحة الليبية، عبر الانفتاح على جميع الأطراف وإعادة تشكيل الموقف من الأطراف المتعارضة، مع تفعيل النفوذ الروسي والتأكيد على التواجد العسكري في شرق ليبيا.
وتوجد في ليبيا منذ مطلع عام 2022 حكومتان إحداهما برئاسة أسامة حماد وكلفها مجلس النواب (شرق)، والأخرى معترف بها من الأمم المتحدة، وهي حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب.
وثمة خلافات بين مجلسي الأعلى للدولة (نيابي استشاري) والنواب إذ نشر الأخير القوانين الانتخابية المقترحة في الجريدة الرسمية، رغم أن الأول أبدى اعتراضات عليها واعتبرها مخالفة للتعديل الدستوري وباطلة.
وأواخر نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، دعا مبعوث الأمم المتحدة عبد الله باتيلي إلى اجتماع طاولة خماسية يشمل المجلس الرئاسي، والمجلس الأعلى للدولة وحكومة الوحدة الوطنية ومجلس النواب وقوات الشرق بقيادة حفتر.
ورغم موافقة الأطراف المعنية باستثناء مجلس النواب على المشاركة في الاجتماعات الخماسية، فإنها لم تبدأ حتى الآن ولم توضح البعثة الأممية الموقف بشأنها.
وتتصاعد تساؤلات بشأن ما إذا كانت التحركات الأميركية والروسية الأخيرة ستدفع الأطراف السياسية الليبية إلى قبول الدعوة إلى الاجتماع الخماسي، في محاولة لإزالة العراقيل السياسية أمام إجراء الانتخابات، أم أن خلف هذه التحركات دوافع وأهداف غير معلنة؟
وقال المحلل السياسي محمد محفوظ إن “تحركات المبعوث الأمريكي نورلاند تأتي في إطار الدفع بفكرة الطاولة الخماسية؛ فهي بالأساس كانت فكرته وتحدث عنها قبل باتيلي وتبني البعثة الأممية لها.. نورلاند يدفع في اتجاه أن تلتقي الأطراف الخمسة”.
وتابع أن “الزيارات المتتالية تأتي للضغط فقط ولا أعتقد بوجود أهداف أخرى غير معلنة، أما مسألة النفوذ الروسي فليس بالبساطة أن يُعالج (أميركيا) بمثل زيارات أو لقاءات كهذه على مستوى مبعوث”.
واعتبر محفوظ أن “زيارة المبعوث الأميركي لا تعد عاملا مساعدا لتجاوز حالة الانسداد السياسي؛ باعتبار أن واشنطن تتحدث كثيرا ولا تفعل شيئا”. وأضاف “خلال الآونة الأخيرة سمعنا (من الولايات المتحدة) الكثير من التهديدات والتلويح بالعقوبات ومعاقبة المعرقلين وتجاوزهم، ولكن لم نرَ شيئا؛ ما جعل أطرافا محلية عديدة ليست ملزمة برؤى واشنطن أو ضغوط المبعوث الأميركي”.
وتابع “بالتوازي مع هذا الحراك، الذي فيه الكثير من الأقوال والقليل من الأفعال، يوجد حراك من جانب روسيا الموجودة على الأرض ولديها قواعد عسكرية عبر قوات فاغنر”. ولفت أن “اليوم يوجد حديث عن تشكيل ’فيلق إفريقيا’ (عسكري روسي) في دول بينها ليبيا.. وبالتالي بينما تتحدث الولايات المتحدة عبر مبعوثها تتواجد روسيا على الأرض وتقول وتفعل”. غير أن محفوظ أعرب عن تخوفه من أن “تتحول ليبيا إلى ساحة حرب وصراع دولية، خاصة إذا ما مضت روسيا في مسألة الفيلق الإفريقي.. وبحسب مصادر، فإن من بين الدول التي سيتواجد فيها هذا الفيلق: مالي وبوركينا فاسو والنيجر وإفريقيا الوسطى وليبيا”.
ونوه “إذا ما نظرنا لهذه الدول فإن ليبيا هي أهمها بحكم الموقع الاستراتيجي والقواعد العسكرية الموجودة فيها والقرب من أوروبا، لذلك أعتقد أنه ما لم يوجد قرار وطني حقيقي، فستتحول ليبيا إلى ساحة صراع بكل تأكيد”.
وتقول مصادر أن روسيا تنزعج من أي وجود غربي في ليبيا باعتبارها منطقة استراتيجية لها وبوابتها نحو أفريقيا ودعم عملياتها، ففي تصريحات لمدير إدارة المنظمات الدولية في وزارة الخارجية الروسية بيوتر إليتشيف، مؤخرا، قال إن دولاً غربية -لم يسمها- تحاول تحويل ليبيا إلى ساحة جديدة للمواجهة مع روسيا. وتابع في حوار مع وكالة نوفوستي الروسية، إن ليبيا باتت عملياً منقسمة إلى قسمين وتتأرجح على شفا حرب أهلية، وتحولت في الواقع إلى مصدر للهجرة غير النظامية.
وأضاف أن حملات الدول المنفردة لجعل ليبيا في مواجهة مع بلاده لا تساعد إلا على ترسيخ خطوط الانقسام القائمة على الأرض وتأخير احتمالات التوصل إلى تسوية بين الليبيين.
ومن بين نقاط خلافية في القوانين الانتخابية المقترحة، يُصر مجلس الدولة وأحزاب سياسية على منع العسكريين ومزدوجي الجنسية (ينطبق على حفتر) من الترشح لرئاسة البلاد. في حين يتمسك مجلس النواب بالسماح لهم بالترشح.
ويرى المحلل السياسي فرج دردور أن “زيارات ولقاءات المسؤولين الأميركيين مع حفتر. لو كانت فقط للضغط عليه. لربما اكتفوا بزيارة واحدة أو اتصال هاتفي. مضيفا “لكن هذه الزيارات المتكررة تأتي في إطار التنسيق بين واشنطن وحفتر.. واشنطن تريد تمكين حفتر عن طريق روسيا حتى لا يحسب على الولايات المتحدة”.
وأعرب دردور عن اعتقاده بأن “الأميركيين ليسوا مهتمين بالشأن الليبي أكثر من اهتمامهم بسيطرة حفتر، باعتباره أميركي الجنسية. على ليبيا وأيضا الحد من تعامله مع روسيا.. هذا هو الهم الأميركي”. واستبعد أن “تكون روسيا راغبة في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة. التي تعلم حدود الروس وأهدافهم النهائية ومدى تأثيرها على الأمن القومي واقتصادها. فكل منهما يسير في مملكته ولا أحد يقترب من الثاني”.
واعتبر أن “كل ما يحدث في ليبيا هو تقاسم مصالح. ومراعاة بين الدول الكبرى لمصالح بعضها من دون احتكاك”.