هل فعلا الجنازات والحشود الضخمة تظهر مدى شعبية سليماني؟
قامت إيران بتنظيم جنازات متعددة لقائد فيلق القدس المقتول، قاسم سليماني، هذا الأمر الذي في نظر البعض هو إشارة إلى شعبية الرجل الجارفة داخل إيران وخارجها، غير أن خبير أميركي يرى عكس ذلك.
وقد ظهرت دلائل وصور تشير إلى أن شعبية سليماني أقل بكثير مما حاولت طهران إظهاره من خلال الحشود الضخمة في العراق وإيران. وهذا ما أكده مدير الأبحاث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، باتريك كلاوسون، حيث قال بأن شعبية سليماني لا تتعدى الحدود الإيرانية، بالرغم من كم الجنازات التي نظمت له في العراق.
ووقد قتل سليماني، الذي يعد مهندس التمدد الإيراني في المنطقة، ونائب قائد ميليشيات الحشد في العراق، أبو مهدي المهندس، غلى يد الولايات المتحدة من خلال قصف موكبهما بطائرة مسيرة بجوار مطار بغداد فجر يوم الجمعة.
ويعتقد كلاوسون بأن الصورة التي قد رسمها نظام الملالي عن سليماني هي أنه قومي إيراني، الأمر الذي جعل سكان منطقة الشرق الأوسط خارج إيران يشعرون بقلق تجاهه أو يكرهونه.
وقد قدم أيضا الباحث الأميركي استنتاجا مختلفا لما حاولت إيران إظهاره من خلال جنازات سليماني في العراق، حيث قال بأن طهران رغبت في إظهار سليماني كـبطل يحظى بشعبية كبيرة في المنطقة، لكن الأمر أبعد ما يكون عن الحقيقة.
وقد رأى بأن هناك دلائل قوية على انعدام شعبية سليماني في معظم أنحاء الشرق الأوسط، حيث كان رد الفعل الشعبي يقارب الصفر حيال تصفيته، باستثناء احتجاج صغير في باكستان، وقد كان الأمر الملفت للغاية هو ردة الفعل الباردة من قبل الشيعة خارج إيران على قتل سليماني، وهذا يشكك في صورة البطل سليماني التي حاولت طهران إظهارها.
بينما في العراق حيث تم قتل سليماني، فقد كان مئات الآلاف يخرجون إلى الشوارع بعد صلاة الجمعة في مناسبات عدة في الأشهر الثلاثة الأخيرة، تنديدا بأمور عديدة منها الفساد والتدخل الإيراني، غير أنه في الجمعة التي شهدت مقتل سليماني لم يخرج سوى حفنة صغيرة من المصلين تنديدا بتصفيته.
وقد قامت إيران وميليشيات الحشد يومه السبت الماضي 4 يناير، بتظيم جنازة للجنرال الإيراني والمهندس في العاصمة العراقية ذات الملايين السبعة، غير أنه لم يشارك في الجنازة سوى أقل من واحد في المئة من سكان بغداد.
ويظهر بأن هذا الرقم يشكل أقل من ثلث العراقيين الذين يشاركون في أربعينية الإمام الحسين، حتى في السنوات التي كان هؤلاء يتعرضون لهجمات إرهابية، وفق ما ذكر الباحث الأميركي، والذي أكد أيضا بأن هذه الأرقام تقول كثيرا عن قصة سليماني وشعبيته الحقيقية في العراق.
وقد كانت هناك مخاوف من أن تنتهي جنازة سليماني في بغداد إلى هجوم كبير على السفارة الأميركية، الأمر الذي يدفع قوات المارينز إلى الرد، ومنه سقوط عدد كبير من الضحايا، مما يعني تفجيرا للأوضاع، غير أنه لحسن الحظ لم يحدث ذلك.
وظهر بأن الأمر هو عبارة عن رد فعل صامت نسبيا نحو مقتل سليماني بالرغم من أنه قتل في بغداد، التي شهدت احتجاجات أقل شراسة ضد إيران مقارنة بالمحافظات الجنوبية، حيث أحرقت قنصليات إيران في البصرة وكربلاء.
وترجع ردة الفعل الباردة للعراقيين على مقتل سليماني، إلى ظهور اسمه كواحد من المتورطين في حملة القمع الشرسة ضد المحتجين الذين خرجوا في العراق منذ مطلع أكتوبر الماضي.
سليماني الذي أشعل الحرائق
ويضيف أيضا كلاوسون، بأن العوامل التي أدت إلى بناء شعبية لسليماني في إيران هي نفسها التي أدت إلى كراهيته خارجها. وقد قدمت إيران سليماني في صورة القومي الإيراني الذي أنقذ الأمة الفارسية من خطر تنظيم داعش الإرهابي الذي اجتاح مساحات واسعة من العراق في 2014.
غير أن هذه الصورة تمثل مفارقة كبيرة، حيث بأن الانتصارات الكبيرة التي قام داعش بإحرازها في 2014، ترجع إلى حد كبير إلى السياسات الطائفية التي اتبعتها الحكومة العراقية بضغط من سليماني نفسه. وبذلك، وفق الباحث الأميركي فيمكن وصف قائد فيلق القدس بمشعل الحرائق ومطفئها على حد سواء.
الجانب الآخر في إيران
في حين أنه في داخل إيران، فقد أصبحت شعبية سليماني على المحك، لاسيما مع مشاركته في قمع الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في نوفمبر الماضي. حيث اندلعت الاحتجاجات في منتصف نوفمبر الماضي بعد قرار السلطات الإيرانية رفع أسعار البنزين بنسبة وصلت إلى 50 في المئة.
ووفق تحقيق لوكالة رويترز، فقد قتلت قوات الحرس الثوري، التي ينتمي إليها سليماني مهمة قمع الاحتجاجات وقتل أكثر من 1500 شخص. وقد فاق هذا الرقم بكثير التقديرات السابقة التي قدمتها مؤسسات حقوقية دولية وتحدثت عن سقوط مئات القتلى.
وبعد تداول خبر مقتل سليماني، فقد ظهر العديد من الصور والفيديوهات من داخل إيران، التي تظهر فرحة الإيرانيين بمقتل سليماني، بالرغم من التضييق الذي تمارسه السلطات على شبكات التواصل.
في حين قد نشر الناشط الأحوازي، على حسابه الرسمي بمواقع التواصل العديد من الأدلة، التي تؤكد سعادة الإيرانيين بغياب أحد مهندسي الرعب في بلادهم. وتكشف إحدى هذه الصور كتابة على حائط في أحد شوارع طهران حيث جاء فيها بالفارسية شكرا ترامب، وذلك بعيد الإعلان عن مقتل سليماني، فيما تداول نشطاء على تويتر صورا للكعك مرفوقا بنفس العبارة.
وقد سعت إيران من وراء جنازات سليماني وتضخميها إلى إظهار وحدة الإيرانيين، مع العلم بأن كثيرا من هؤلاء يرفضون تدخلات إيران ويقفون على طرفي نقيض من قائد فيلق القدس، حسب ما يقول بعض الخبراء.