من يُقصي من؟
في إيران يوجد تيّاران سياسيان “المحافظون – الإصلاحيّون” يتشكّل تيار المحافظون من الحوزة والبازار وحرس الثورة وعلى رأسهم “الوليّ الفقيه” ويمثله خامنئي، الذي حاول الابتعاد عن التصنيف ويكون مثل الخميني الذي أمسكَ العصا من المنتصف وكان أباً لكلا التيارين، لكن خامنئي فشل في ذلك، بينما يتشكّل تيار الإصلاحيون من أبناء وأحفاد الخميني باستثناء عائلة رفسنجاني ومهدي كرّوبي ومير حسين موسوي ومحمد خاتمي وحسن روحاني، وأهمّ سلاح عندهم هو جهاز المخابرات الإيرانية المعروف بالإطلاعات.
الصراع والتنافس بين التيارين يمتدّ إلى ما قبل انتصار ثورة الخميني، وتصاعد التنافس بين التيارين بعد تسلم الخميني السلطة، وكان التأسيس “الرسمي” لتيار الإصلاحيين برعاية ومشاركة أحمد الخميني ورفسنجاني وزوجة الدكتور علي شريعتي ومحمد خاتمي وآخرين، بينما التيار المحافظ هو تيار “شعبوي” يعتمدُ دائما على المساجد والحسينيات، وجمهوره من روّاد المساجد والحسينيات وأبناء الأحياء الشعبية والقرى لذلك هو الأكثر عدداً ، أمّا التيار الإصلاحي فهو تيار نخبوي وجمهوره من المثقّفين والمتعلّمين ويكاد يكون هو الأقرب إلى الانفتاح والحرية، مما سبق يتضح لنا أن التيار المحافظ تيار ديني شعبوي، والتيار الإصلاحي هو تيار نُخبوي هذا بشكل عام.
أبرز القادة الدُهاة للإصلاحيين أحمد الخميني ورفسنجاني، وأحمد الخميني الذي كان الأخطر على المحافظين من رفسنجاني ولكن قُتِلَ سريعاً كما يقال وبقي الآخر يبني ويشكل التيار الإصلاحي الذي أَسّس الجامعة الحرّة “دانشگاه آزاد” التي كان ظاهرها يبدو وكأنها جامعة أهلية تجارية بينما الواقع يرى أنها كانت أكبر مصنع لإنتاج أجيال من الشباب الإصلاحي، وهي التي أنتجت ثورة حينها سميت “بالثورة الخضراء” والتي استهدَفت خامنئي شخصياً وليس أحمدي نجاد كما قِيل.
لَمْ يُقدِّر خامنئي خطورة الجامعة الحرّة وربّما كانَ مُقدِّراً لخطورتها عليه، لكنه لَمْ يتّخذ أي إجراء ضدّها إلا بعد وفاة رفسنجاني حيث سارَعَ خامنئي لطرد أولاد رفسنجاني ومنعهم من السيطرة على الجامعة ونصّبَ مستشاره ولايتي كرئيس لمجلس أمناء تلك الجامعة.
على صعيد السياسة الخارجية يختلف التيّاران اختلافاً كبيراً فرفسنجاني زعيم الإصلاحيين ومن بعده خاتمي وروحاني وكروبي ومير حسين موسوي مع الانفتاح على أمريكا والعالم، بعكس التيار المحافظ الذي يُرِيدُ دائما فَرْضَ شروطه وثورته على العالم.
يقال إن الذي نَصّبَ خامنئي كوليّ فقيه هو رفسنجاني وأحمد الخميني، وسبب اختيارهما له يعود إلى أنّ خامنئي كان مستقلا في ذلك الوقت ولا ينتمي لأي تيار، وكان خطيبا بارعا وصاحب كاريزما، رغم أنه كان مغرورًا ومُعْجَبا بنفسه ويحبّ الحياة والفنون والشعر والموسيقى، وبالتالي كانوا يَرَوْن أنه لا توجد عنده نزعة ديكتاتورية، وهو ما يعني عبر ظنّهم فيه أنه يُمكن السيطرة عليه، ولكن خاب ظنّهم، فخامنئي له كلمةٌ معبّرة قالها فورَ انتخابه كولي فقيه؛ قَالَ: ستبكونَ دماً. وأظنّه كان يقصدهم ولا يقصد غيرهم كما دلّت الوقائع والأحداث على ذلك لاحقاً.
ازداد الصراع بين التيارين بعد سقوط العراق وصدام، وبعد تنامي نفوذ الحرس الثوري ذراع المحافظين، وكذلك بعد فشل ثورة رفسنجاني المعروفة بالثورة الخضراء، إذ نَشَرَ الإصلاحيون شعارا حينها “نه غزّه نه لبنان جانم فداي إيران” أي “لا غزة ولا لبنان روحي فداء إيران” هذا الشعار وأمثاله هو من شعارات الإصلاحيين والمقصود منه هو ضرب حرس الثورة ذراع المحافظين وبالتالي ضرب خامنئي.
في مظاهرات وثورة البنزين الأخيرة حاولَ الرئيس الإصلاحي روحاني أَنْ يُلقي بالتبعية على خامنئي، فروحاني لم يرفع أسعار البنزين مباشرة رغم أنها من اختصاصه كرئيس ومن اختصاص البرلمان ولا علاقة لخامنئي بذلك ولكن من أجل توريط خامنئي وتحميله التبعات طلَبَ روحاني رأي خامنئي بالموضوع ووافق على زيادة أسعار البنزين وحينئذ حمّلَه الإصلاحيون مشكلة زيادة أسعار البنزين وفِي نفس الوقت قاموا بتحريك المظاهرات ضدّ زيادة الأسعار التي استطاع خامنئي إخمادها.
يرى البعض أن مقتل سليماني كان مثل “المعجزة” المُنقِذة لخامنئي والمحافظين، وكان فيه إحراجا لروحاني والإصلاحيين جماعة “الحوار” مع أمريكا، وكأن لسان حال المحافظين يقول أيّها الإصلاحيون هذه هي صديقتكم أمريكا.
لقد كان تشييع سليماني هو “استعراض قوّة” لخامنئي والمحافظين ولسانُ حالهم يقول هؤلاء هم جماهيرنا فأرونا أين جماهيركم أيّها الإصلاحيون، لهذا انحنى الإصلاحيون لعاصفة تشييع سليماني ومقتله وتظاهروا بالبكاء والتوحّد مع المحافظين، بينما الإصلاحيون استغلوا حادثة الطائرة الأوكرانية ليقوموا باستعراض قوّة مماثلة لتشييع سليماني ومعاكسة للاتجاه فقاموا بمظاهرات ضدّ خامنئي ومزّقوا صور سليماني.
لكن ما هي دلالات استعراض القوّة عند المحافظين والإصلاحيين؟
تشييع سليماني كان رسالة لأمريكا فحواها نحن المحافظين الأقوى في إيران، بينما مظاهرات الإصلاحيين على الطائرة الأوكرانية هي أيضا كانت رسالة لأمريكا فحواها نحن الإصلاحيين ما زلنا على قيد الحياة ولنا وجود مؤثر ورافض للهيمنة.
الانقسام ما زال مستمرا فمرشّح المحافظين لخلافة خامنئي هو إبراهيم رئيسي، ومرشّح الإصلاحيين لخلافة خامنئي هو محمد خاتمي، يملك رئيسي “البازار والحوزة وحرس الثورة” ويملك خاتمي (الإطلاعات والشباب والمثقفين والأكاديميين)، ما ينذر باستمرار الصراع ولكن يا ترى من يستطيع يُقصي أو يُصفي من؟.. أترك الإجابة لكم وللشعب الإيراني، أو هذا ما ستجيب عنه الأيام وما علينا سوى الانتظار.
نقلا عن العين الإخبارية