تبحث الولايات المتحدة عن مخرج لقبولها بشروط إيران في إحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015.
تبحث كثيرا ولا تجد سوى التذرع بقدرة طهران على التسلح النووي في غضون أسابيع قليلة إن لم يذعن العالم بأكمله لمطالبها.
في التخويف الأمريكي، سواء ذلك الذي حملته تصريحات المتحدثة باسم “البيت الأبيض”، جين ساكي، أو وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، كثير من الاستخفاف بالعقول وكثير أيضا من “الابتذال” في قضية تشغل بال دول كثيرة.
ثمة أسئلة بسيطة من قبيل: هل استنتاجات أمريكا دقيقة بشأن مدى اقتراب إيران من امتلاك السلاح النووي؟
ماذا يكون “البيت الأبيض” قد فعل طوال عام وأكثر إذا انتهت مفاوضات فيينا بعودة واشنطن لاتفاق لوزان دون شروط أو تعديل عليه؟
هل اختارت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن التفاوض مع إيران، وتحديدا مع حكومة إبراهيم رئيسي، فقط لابتزاز الدول المعنية في الملف النووي الإيراني؟
لو عاد “بايدن” لاتفاق لوزان فورا لكانت إيران اليوم تقف على بعد عام أو أكثر من تصنيع السلاح النووي.. أو على الاقل، كان العالم تجنب بعض اعتداءات طهران على دول الجوار والملاحة الدولية خلال عام 2021.
ثمة مكسب آخر للعودة الطوعية إلى الاتفاق لو وُقّع قبل عام، ألا وهو تجنب الرضوخ لمطالب إيران في رفع “الحرس الثوري” ومليشياته من قوائم الإرهاب.
هذه المطالب التي تُحرج واشنطن الآن أمام حلفائها في المنطقة، والسبب ببساطة أنه لا يوجد أي مبرر مقنع يمكن لها أن تسوقه لهم في هذا الشأن.
المخاوف التي تثيرها واشنطن اليوم إزاء القنبلة النووية الإيرانية الممكنة خلال أسابيع، لا تبدو كافية لقبول الدول العربية وإسرائيل برفع “حزب الله” و”الحوثيين” وغيرهم من وكلاء إيران في المنطقة من قوائم الإرهاب، فهذه المليشيات أخطر من القنبلة النووية، وتشكل تهديدات قائمة وحقيقية للجميع.
تعرف أمريكا حق المعرفة أن خطر إيران على المنطقة والعالم يتجسد في عدوانها وليس في قنبلتها الذرية التي لم تولد بعد. فإيران غير النووية هي التي صنعت مليشيات إرهابية تهدد أمن المنطقة. وهي أيضا التي تسيطر على القرارات السياسية ببعض الدول العربية. ناهيك باعتداءاتها على الملاحة الدولية.
لم تلجأ إيران إلى الترهيب بالقوة النووية لتُحدث كل هذه الفوضى في المنطقة.. استخدمت فقط أذرعها ووكلاءها الذين تريد واشنطن رفعهم من قوائم الإرهاب اليوم في سبيل إحياء اتفاق نووي مع طهران، لم ولن يخدم مصالح أحد في العالم.
الاتفاق فقط سيُغدق الأموال على نظام خامنئي ليصبح أكثر قدرة على تمويل الإرهاب ونشره، وأكثر قدرة على زيادة عدد مليشياته ووكلائه في المنطقة.
امتلاك إيران السلاح النووي هو أمر سيئ بالنسبة للدولة العربية، ولكن الأسوأ منه إبرام اتفاق نووي بينها وبين العالم يوقف تصنيعها للقنبلة الذرية، وفي الوقت ذاته يطلق يدها في ترهيب المنطقة، ونشر مزيد من الموت والدمار فيها.
ماذا فعل اتفاق لوزان لدول الشرق الأوسط؟ كيف غيّر من سلوك طهران العدائي تجاهها؟ هل أوقف الاتفاق دعم إيران للمليشيات أم زاده؟
هذه بعض أسئلة يطرحها حلفاء أمريكا في المنطقة على إدارة “البيت الأبيض”، والتي تخيّرهم بين إحياء هذا الاتفاق أو توقع امتلاك الإيرانيين للسلاح النووي خلال أسابيع.
ربما تقف إيران اليوم على مسافة أيام، وليس أسابيع، من مستويات التخصيب اللازم لصنع سلاح نووي.. ولكن هل باتت طهران قادرة فعلا على تحويل اليورانيوم المخصب إلى قنبلة أو تحميله في رؤوس صاروخية.
التفريق بين الأمرين قد يكون مُجديا في تقدير المخاطر، وتقييم مستوى المخاوف التي تثيرها أمريكا.
وحتى لو امتلكت إيران القدرة على الأمرين، هل تجد نفسها مستعدة لإطلاق قنبلة ذرية أو توجيه صاروخ نووي لأي دولة؟
أليس امتلاك السلاح النووي خطاً أحمر لا يسمح العالم لإيران بتجاوزه؟
ألم تتعهد أمريكا بذلك مرارا وتكراراً، وقالت إن كل الخيارات مطروحة على الطاولة لوأْد هذا الاحتمال في مهده؟
ما تحتاج الولايات المتحدة إلى فعله اليوم ليس التلويح بفزّاعة السلاح النووي لإجبار حلفائها في المنطقة على قبول الاتفاق القادم مع إيران.. وإنما دفع طهران إلى التصديق بجدية واشنطن في عدم السماح لها بامتلاك قنبلة ذرية.
عندها فقط تدرك إيران أن لا سبيل أمامها سوى تقديم التنازلات للتصالح مع محيطها والعالم.. وعندها أيضا تسترد أمريكا ثقة حلفائها، التي اضطربت خلال العقد الأخير، ليس فقط بسبب إيران، وإنما بسبب جوانب مظلمة كثيرة في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه المنطقة.