مهما تسامت إرادة الأفراد لتصنع مجداً لأممها تبقى قاصرة ما دام لا يقدّر لها أن تجد من يتابع المسيرة.
قول ترجمته دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال مسيرة الخير والعطاء التي قادها القائد والمؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -رحمه الله، وطيب ثراه- بكل حكمة وصبر واقتدار ليجعل منها دولة تضرب فيها الأمثال.
ولم يرتبط شعب بقائده كما ارتبط أبناء دولة الإمارات بزايد، ولم يحظ قائد بهذا النوع من الإجماع على شخصه وسياساته وحكمه مثلما حظي زايد الذي لم تزده السنون إلا مكانة تتعاظم في القلوب تقديراً للحكمة والبصيرة التي وهبه الله إياها.
وفي يوم الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2004، كانت دولة الإمارات العربية المتحدة على موعد مع حادث جلل، حيث رحل المغفور له بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، إلى جوار ربه راضياً مرضياً، تحفه دعوات الملايين من أبناء دولة الإمارات والمقيمين فيها، ومئات الملايين من أبناء العالم العربي والعالم بأسره الذين امتدت يد الراحل العظيم إليهم بالخير والعطاء. رحل المغفور له الشيخ زايد، تاركاً وراءه أعظم ما يتركه قائد سياسي وإنساني من ميراث للبناء والحكمة والسلام والحوار والتسامح، بعد أن أدى رسالته التي نذر لأجلها حياته وجهده.
كانت أحزان غياب الوالد الجليل والقائد النبيل عميقة، لكن ما غرسه زايد في القلوب والعقول كان يحث أبناءه على تحويل مشاعرهم جميعها إلى طاقة عمل من أجل الحياة، ومن أجل المستقبل.
وفي الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2004، أسلم الوطن قيادته إلى صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، بكامل الثقة، نظراً لما لمسوه به من سمات القيادة المبكرة منذ تفتح براعمه من تصد للمسؤوليات الجسام، ومزيج العدل والحكمة الذي أورثه إياه والده، والتبصر الذي يعرف أن للإقدام مواضعه ومواقعه، والحزم الذي تخالطه الرحمة والحدب على شعبه والعمل على ضمان الحياة الكريمة مهما تكن الصعوبات فصقلت هذه الخبرة ما تربى عليه في مجلس والده.
كان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد يسهم إلى جوار مسؤولياته في إمارة أبوظبي في الملحمة الوطنية الأعظم: ملحمة الاتحاد، فقاد العمل في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، على المستويين الاتحادي والمحلي، لتتبوأ دولة الإمارات مكانتها التي تستحقها. وغدا شعب دولة الإمارات أسعد شعوب العالم، وغدت دولة الإمارات أكثر الأماكن التي يؤمها الناس من كل أنحاء العالم للعيش والعمل فيها، وضربت دولة الإمارات أروع الأمثلة في التعايش والتسامح بين خليط الأعراق والأديان والجنسيات والثقافات التي تعيش على أرضها في انسجام ووئام، وفي الممارسات الحكومية التي أصبحت نموذجاً تحاول دول غربية استلهامه وتقليده.
وفي يوم الجمعة 13 مايو/أيار الماضي نعت وزارة شؤون الرئاسة إلى شعب دولة الإمارات والأمتين العربية والإسلامية والعالم أجمع قائد الوطن وراعي مسيرته صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات الذي انتقل إلى جوار ربه راضياً مرضياً.
ومن جهته نعى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في حسابه على تويتر، أخاه رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان. بقوله: “إنا لله وإنا إليه راجعون.. فقدت الإمارات ابنها البار وقائد “مرحلة التمكين” وأمين رحلتها المباركة.. مواقفه وإنجازاته وحكمته وعطاؤه ومبادراته في كل زاوية من زوايا الوطن.. خليفة بن زايد، أخي وعضيدي ومعلمي، رحمك الله بواسع رحمته وأدخلك في رضوانه وجنانه “.
وإن السرعة في اختيار وانتخاب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لهذا المنصب إنما يدل على مدى الثقة التي يتمتع بها لدى أصحاب السمو حكام الإمارات وما لمسوه فيه من جدارة وكفاءة في إدارة أمور الدولة في مختلف المناصب التي تولاها، كما تدل على أن البيت الذي أرسى دعائمه زايد الخير ما زال صامداً وموحداً كما أراده.
وكان فيما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي خلال لقاء المبايعة “جئنا نعزيك ونعزي أنفسنا، ونبارك لك ونبارك لأنفسنا بقيادتك ورئاسة دولتنا ونحن سند لك”.
وهذا ما أكده صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة..
“أنت لست بغريب على هذا الموقع أنت ابن المؤسس، وشقيق المرحوم الذي حمل الراية من بعده، عاشرناك وعرفناك وكنت دائماً عند حسن الظن بك نحن بجانبك. نسلم القيادة لك. ونحن في بلد كل الناس تحسدنا عليه”.
وجاء جواب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان -حفظه الله ورعاه-: “أنا أخوكم محمد وسأبقى كما تعرفونني.. وإن شاء الله ما يغير علينا حال.. وربي يوفقنا لما فيه خير للبلاد وأهلها”.
لقاء عزاء ومباركة بتسليم الراية لقائدِ دولتنا وحامي الاتحاد ومكتسباته، لقاء يكشف تواضع سموه وحرصه على متابعة ما بدأه زايد المؤسس وخليفة قائد مرحلة التمكين، فخير خلف لخير سلف.
ولئن كان المولى، سبحانه، قد اختار خليفة إلى جواره، وهو أكرم جوار، فلقد منَّ على أمته بمن يحمل رسالته كاملة غير منقوصة.
فصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وهو ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، قد حمل لواء المجد والعز لوطنه وبذل الغالي والنفيس لإسعاد شعبه، وقد زرع في بقاع الأرض أنبل الأعمال الإنسانية ولسموه مكانة دبلوماسية وإنسانية يشهد بها العالم أجمع، ويشهد له التاريخ بأعماله النبيلة وجهوده الرامية إلى إرساء دعائم السلام واستتباب الأمن والأمان والاستقرار في بقاع الأرض على المستويين الإقليمي والعالمي، خصوصاً في الوطن العربي
وبفضل جهوده، أضحت دولة الإمارات في مصاف الدول المتقدمة والأسرع نمواً في العالم، ونموذجاً يُحتذى به في الاستقرار والنمو والتطور.
وتمكن سموّه بحكمته وشجاعته من هزيمة المخططات الإرهابية للتنظيمات المتطرفة التي كانت تسعى لمحاولة تشتيت الأمة الإسلامية وإغراقها بأفكار التطرف والتشدد والعمليات الإرهابية والقتل والتخريب.
ويشهد العالم بنجاح رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في إرساء دعائم السلام والاستقرار بالمنطقة والعالم أجمع والمواقف السياسية المشهودة التي خلدت بصمته إلى الأبد في صفحات التاريخ لا حصر لها، فقد حرص على إقامة العلاقات الأخوية المتينة مع الأشقاء، والوقوف معاً صفاً واحداً لتعزيز الأمن والاستقرار لدول المنطقة وشعوبها، ومواجهة التطرف والإرهاب.
وتؤكد أفعال سموه ومواقفه أنه عنوان للقيادة المبدعة في المجالات كافة، فهو سياسي حكيم، وعسكري محنَّك، ورياضي يملك أخلاق الفرسان وسلوكياتهم، وقائد تتجمع حوله القلوب والعقول، وصاحب رؤية واضحة للحاضر والمستقبل، وفهم عميق للعالم من حولنا.
ولا يتردَّد سموه في اتخاذ القرار الحازم والحاسم حينما يتعلق الأمر بالأمن الوطني للدولة، أو مصلحتها العليا، وصون مكتسبات شعبها في التنمية والانفتاح والوسطية
وقد أثبت سموه، خلال الأحداث التي مرت بها المنطقة خلال السنوات الأخيرة، مقدرة بارعة على التخطيط والتنفيذ وإدارة الأزمات وإيجاد البدائل والحلول الاستراتيجية، للتعامل معها ضمن منظومة دقيقة لإدارة المخاطر.
وبذلك، جنَّب سموه دولة الإمارات العربية المتحدة وشعبها، وشعوب دول مجلس التعاون والدول العربية الأخرى، خطر التمزق والصراع والفتن الطائفية التي تشعلها تنظيمات التطرف والإرهاب في مناطق جغرافية شتَّى من حولنا.
ومثّلت جهود سموّه في تعزيز أواصر الأخوة الإنسانية حجر الزاوية في العصر الحديث ونقطة انطلاق نحو التعاون الإنساني البناء
ووضع أسس هذا البنيان عالمياً بأول زيارة تاريخية قام بها قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، حيث قام سموه بدعوته إلى زيارة الإمارات، وتم عقد لقاء تاريخي جمعه مع فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، وتم خلاله إعلان وثيقة الأخوة الإنسانية.
وهذا ما أهله لحصد العديد من الجوائز والأوسمة العالمية يعبر بها العالم عن شكره وتقديره وامتنانه، وإن في توافد وفود المعزين بوفاة صاحب السمو رئيس دولة الإمارات والمباركة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بتسلم مقاليد الحكم في الدولة من جميع البلدان العربية والعالمية خير دليل على المكانة التي يحتلها سموه على كافة الأصعدة المحلية والعربية والعالمية.
وكما عاهد سموه شعبه مع بداية عام الخمسين لدولة الإمارات بقوله:
“نستذكر بتقدير وعرفان الجهود المباركة للآباء المؤسسين، نمضي على نهجهم بعزيمة قوية وإرادة صلبة.. مستندين إلى إرث ثري من القيم والنجاحات، وطاقات بشرية هي أغلى ثرواتنا وأهمها.. وخطط طموحة لبناء مستقبل أفضل لأجيالنا”.
وهذا ما أكده سموه من خلال جهوده الدؤوبة. وإنجازاته المتوالية التي نستذكر بها الوالد القائد والمؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي أعد لهذا الوطن قادة لا أتباع يتابعون أداء الرسالة بكل إخلاص وولاء وانتماء،
وندعو له من قلوب تفيض بحبه وتعترف بفضله، ونجدد العهد والولاء لقائد المسيرة، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، حفظه الله، وسدد على طريق الخير خطاه.