سياسة

ليبيا بعد 14 عامًا من الثورة.. انقسامات سياسية وسؤال الشرعية


في الذكرى الـ14 لثورة 17 فبراير، لا تزال ليبيا تعاني انقسامات عميقة بين مشروعين متنافسين؛ واحد محلي يعكس إرادة شعبية، وآخر دولي.

هذا الانقسام جمّد البلاد عند حدود الصراع على شرعية التمثيل، حيث تتنازع حكومتان على السلطة الآن: حكومة في الغرب، وحكومة مدعومة من مجلس النواب في الشرق. وقد أدى هذا الصدع إلى حالة من الجمود السياسي.

صناديق وبنادق

بعد تولي المؤتمر الوطني العام في يوليو/تموز 2012 كأول مجلس نيابي بعد الثورة. سيطرت عليه تنظيمات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان وحلفاؤها.

وكان من المفترض أن يعمل المؤتمر على تهيئة البلاد للاستحقاقات السياسية وإجراء انتخابات برلمانية دائمة، إلا أنه مع انتهاء ولايته في فبراير/شباط 2014. أُجريت انتخابات برلمانية جديدة، أسفرت عن تراجع نفوذ الإخوان، الذين حصلوا على نسبة لا تتجاوز 20% من المقاعد.

وأمام الانفضاض الشعبي، رفضت جماعة الإخوان نتائج الانتخابات. وتمسكت بالسلطة عبر تشكيلات مسلحة غير رسمية، وشكلت تحالفًا مسلحًا باسم “فجر ليبيا”. وفرضت سيطرتها على مناطق في غرب ليبيا، من بينها العاصمة.

الاستثمار في الانقسام

تزامنًا مع محاولات إعاقة قيام الجيش الليبي بدوره خلال عامي حكم المؤتمر الوطني، أجهزت الجماعات الإرهابية على مؤسسات الشرطة والأجهزة الأمنية. وسعت إلى تشكيل قوة أمنية بديلة تحت مسمى “اللجنة الأمنية العليا”، في محاولة لإنشاء جيش موالٍ لتنظيم الإخوان.

كما سعت الجماعة إلى تعزيز نفوذها العسكري من خلال مليشيات “درع ليبيا”. التي ضمت لاحقًا عناصر إرهابية دولية من تنظيم القاعدة. ونتيجة لذلك، تعرضت القيادات العسكرية والمدنية في شرق ليبيا لعمليات تصفية ممنهجة، بهدف القضاء على أي مقاومة للمشروع الإسلاموي.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل قام تنظيم الإخوان داخل المؤتمر الوطني بالسيطرة على القرارات السياسية والمالية، مستعينًا بالمجموعات المسلحة. وتم إنشاء مليشيات “الحرس الوطني” التي ضمت عناصر من الجماعة الليبية المقاتلة، وهي إحدى أفرع تنظيم القاعدة في ليبيا. بالإضافة إلى مليشيات عقائدية من مدينتي مصراتة والزاوية.

وكشفت مصادر سياسية ليبية أن الجماعة استطاعت، في عام 2012، الحصول على 960 مليون دينار ليبي من مصرف ليبيا المركزي، بقرار مباشر من نوري بو سهمين.الذي شغل منصب رئيس المؤتمر الوطني دون تصويت رسمي، وذلك لتمويل التشكيلات المسلحة.

وأدى هذا التحرك، الذي قابله صمت غربي، إلى تعزيز هيمنة هذه التنظيمات على مؤسسات الدولة في الغرب. بينما اضطر البرلمان الجديد والقيادات العسكرية الرسمية في الجيش العربي الليبي إلى الانتقال شرقًا لممارسة مهامهم واستعادة ليبيا بعيدًا عن تهديدات المليشيات.

اتفاق الصخيرات

في عام 2015، تم توقيع اتفاق في مدينة الصخيرات المغربية برعاية الأمم المتحدة، وهو الاتفاق الذي ساوى بين المشروع المحلي المدعوم من الشعب الليبي والمشروع الإسلاموي المفروض بقوة السلاح.

إلا أن اتفاق الصخيرات لم يحقق الاستقرار، بل زاد من حدة الانقسامات بين الشرق والغرب. وأدى إلى تفاقم الأزمات السياسية والأمنية.

الوضع الراهن

ورغم مرور 14 عامًا على الثورة و11 عامًا على آخر انتخابات شعبية ليبية دون تدخل دولي. لا تزال البلاد عاجزة عن تحقيق الاستقرار السياسي. ما يعكس عمق الأزمة التي تعيشها ليبيا في ظل التدخلات الخارجية والصراع المستمر على الشرعية.

ولا تزال ليبيا عالقة في دوامة الانقسام، باستمرار الصراع بين المشروع المحلي. الذي يعبر عن تطلعات الشعب الليبي، والمشروع الدولي. الذي فرض توازنات سياسية أبقت البلاد في حالة من عدم الاستقرار.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى