قطر وحزب الله .. ما الجديد؟ وما علاقة إيران وأمريكا؟
مثّلت الثورة الخمينية في إيران العام 1979، لحظة تعارض في مسار العلاقات الإيرانية الأمريكية، مع تقويض الدور الوظيفي التقليدي المنوط بطهران ممارسته في حفظ مسار النظام الإقليمي، داخل منظومة الأهداف الأمريكية في الشرق الأوسط خلال سنوات حكم الشاه، غير أنّ تعاقب رؤساء البيت الأبيض، لم يمنع الرغبة الأمريكية في السعي نحو تطويع الثورة الإيرانية بالقوة، من خلال إدارة تكتيكية للحرب العراقية الإيرانية مرة، وبضغط المفاوضات مرة أخرى، عبر أحداث الشرق الأوسط وجدار نظامه الإقليمي، الذي تعرض لشرخ عميق إثر احتلال صدام حسين للكويت العام 1990، وما ترتب على تلك المغامرة من تداعيات، أفضت إلى الحرب على العراق في العام 2003، والتي مرت من خلال تداعياتها السياسية، تصورات الشرق الأوسط الجديد، وصياغة الدور الأمريكي في صورته الجديدة، عقب الانخراط الميداني المباشر للقوات الأمريكية، والذي استمر منذ لحظة تحرير الكويت وحتى الحرب على العراق، ما ترك آثاراً سلبية على إدارة الرئيس الأمريكي، جورج بوش الابن، دفعت الرئيس، باراك أوباما، فيما بعد، إلى تبنّي خيار منح الوكلاء حق التدخل في المنطقة، وإدارة عملية تغيير وجه الشرق الأوسط، حسب التصورات والرؤى الأمريكية، التي تم حسابها ومراجعتها مع قوى الإسلام السياسي في عدد من دول المنطقة.
الاستراتيجية الأمريكية بين مواجهة إيران والاعتماد على الإسلام السياسي
تبنّت إيران عقب تدشين الجمهورية الإسلامية، مبدأ تصدير الثورة في الشرق الأوسط، والاعتماد على ميلشياتها في إدارة أطماعها التوسعية في المنطقة، خاصة ما يتصل بتنظيم حزب الله في لبنان، والذي انخرط ميدانياً في حرب الخليج الأولى، بحسب تصريحات صحفية للسفير الإيراني في سوريا، خلال ثمانينيات القرن الماضي، علي أكبر محتشمي بور، وعبر تلك المهام في صورتها الميدانية أو السياسية والأيدولوحية، تتحرك السياسة الخارجية لنظام ولاية الفقيه نحو السيطرة والهيمنة على النقاط المؤثرة في الشرق الأوسط، خاصة بعد ثورات العام 2011، والتي تشابكت على أطرافها علاقات طهران بوكلائها، في العراق وسوريا واليمن ولبنان والمغرب العربي وأفريقيا، استناداً إلى العوائد التي استحقتها عقب رفع العقوبات.
بدا الهدف الاستراتيجي لإدارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، في فترته الانتخابية الثانية، يتمركز حول الانسحاب الكامل من جغرافيا الشرق الأوسط؛ لمواجهة الصين التي تسعى إلى تجاوز واشنطن، ومنافستها على قمة الاقتصاد العالمي، خاصة بعد فشل نموذج الإسلام السياسي الذي رعته واشنطن، وأوكلت إليه رعاية مصالحها، وأنفقت عليه الدوحة عشرات المليارات، بعدما تحول إلى صيغة تكفيرية جهادية، في سوريا والعراق، ما جعل الشرق الأوسط يبدو وكأنّه ساحة حرب مفتوحة.
على خلفية ذلك تحرك أوباما نحو توقيع الاتفاق الإطاري مع طهران، بهدف تهدئة الأجواء، حتى تتفرغ واشنطن لإدارة أولوياتها في صراعها مع بكين، بينما استطاعت طهران أن تستفيق من ديناميكية التنفس الاصطناعي، بعد ما خنقتها العقوبات الاقتصادية لفترة طويلة، وأشعرتها بفشل أجهزتها الحيوية أمام مواطنيها، بيد أنّ أحداً لم يستطع تجاوز الأزمة الحقيقية في جغرافيا الشرق الأوسط، وتجلى ذلك؛ مرة عقب سقوط العراق كنقطة توازن وردع استراتيجي لطهران، وثانية حين أعلنت واشنطن رغبتها في الانسحاب من الشرق الأوسط.
ربما كانت الصياغات الجديدة للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، تقتضي بالضرورة الاعتماد على الدوحة، كنقطة ارتكاز في الخليج العربي والشرق الأوسط، لإدارة التحول نحو صيغ الحكم المأمولة، عقب انحسار النظم العتيدة التي استقرت طويلاً، ومن خلال مؤسسات إعلامية ومراكز بحثية، سعت الدوحة وواشنطن، نحو تأسيس حكم الوكلاء الجدد في الشرق الأوسط.
الدور الوظيفي للدوحة في تقويض الأمن القومي العربي
من جهة أخرى، تجسد نوع من التعاون التكتيكي، فيما بين الدوحة وطهران، عبر آليات الدعم التي قدمتها الدوحة لقوات الحشد الشعبي في العراق، وحزب الله في لبنان، وجماعة الحوثيين في اليمن، وهو ما عبر عنه أمير قطر في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء القطرية الرسمية، حين وصف جماعة حزب الله، بأنّها حركة مقاومة، وأنّه ليس من الحكمة العداء مع إيران راعي حزب الله.
احتشدت كافة عناصر الدعم القطري لخطط طهران وأنقرة في الشرق الأوسط، في سياق الخلاف العربي مع النظام القطري، وإعلان القاهرة وأبوظبي والرياض والبحرين مقاطعة الدوحة، وربط استئناف العلاقات معها بمدى استجابتها لقائمة من الطلبات، جاء في مقدمتها فصل الروابط العضوية بين قطر والحرس الثوري الإيراني ووكلائه، في بغداد وصنعاء والجنوب اللبناني، وإغلاق القاعدة التركية، وقطع العلاقات مع الجماعات الإسلامية، وضم أولوياتها مع الاعتبارات الاستراتيجية العربية سياسياً واقتصادياً، ورغم مرور ثلاث سنوات على قرار المقاطعة، تواصل الدوحة ربط سياساتها بالأجندة التركية، والمخططات الإيرانية في ليبيا واليمن ولبنان ودول القرن الإفريقي.
وربما ينبغي التأكيد على أنّ علاقات قطر لم تتصل بحزب الله، عبر سنوات حكم الأمير تميم آل ثاني، بشكل وظيفي ثابت، رغم أهمية الدعم وتغير نمطه الاستراتيجي، ورغم وجود قاعدة ثابتة اتبعتها قطر قبل العام 2010، إذ اتصفت طبيعة الدعم القطري، بالسعي نحو زيادة تأكيد متانة وصلابة موقع حزب الله، ضمن المكون السياسي اللبناني، وعلى الرغم من الخلاف الذي دب بين طهران والدوحة، على خلفية الموقف من سوريا ونظام الرئيس بشار الاسد، ظلّت العلاقات ممتدة ومتصلة بين الطرفين، وهو ما جرى على لسان حسن نصر الله في كانون الأول (ديسمبر) العام 2013، حين أكد أنّه رغم الخلاف السياسي، إلا أنّ هناك خطاً مع دولة قطر.
كما عبر نصر الله عن نفس المعنى في مقابلة مع تلفزيون “OTV” اللبناني، حين قال إنّه “استقبل موفداً قطرياً، وأنّ قطر في الآونة الأخيرة ربما تعيد النظر بموقفها في المنطقة واستراتيجيتها”، وأضاف: “بحثنا مع قطر في العمل على الحل السياسي في سوريا، ثم تكلمنا عن إبعاد لبنان عن المشاكل”، وتابع: “بقي خط بيننا وبين قطر دائماً، رغم أنّنا مختلفون في السياسة، إلا أنّ الدوحة ترغب في كسر الجليد مع الأسد عن طريق حزب الله”.
جماعات الإسلام السياسي أداة التدمير الذاتي
تنقلت الدوحة بين تنظيمات الإسلام السياسي، لتهيئة سبل التغيير في دوائر الحكم بحسب الأهداف الأمريكية، ورؤية واشنطن الجديدة لنسخة الشرق الأوسط، التي تبدو أكثر وضوحاً في ضوء المقاربة مع النموذج التركي، بحسب الصيغة السنّية لحزب “العدالة والتنمية” الإسلامي الحاكم، وكذا الصيغة الشيعية، التي تتمثل في نموذج ولاية الفقيه، عبر جغرافيا الشرق الأوسط.
تقترب الولاية الأولى لحكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من نهايتها، وتستعد واشنطن لمعترك انتخابات رئاسية جديدة، يتنافس فيها ترامب، والمرشح الحزب الديمقراطي جون بايدن، وسط توترات عديدة غلّفت علاقات واشنطن بطهران، عقب اغتيال قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وتذهب التقديرات إلى أنّ ضغوط واشنطن ستتزايد خلال الفترة المقبلة، دون اللجوء إلى الانخراط الخشن في صراع مباشر، وذلك وفق ترتيبات الرؤية الأمريكية في عدد من ملفات الشرق الأوسط.
بيد أنّ التحدي الحقيقي الذي تواجهه المنطقة، هو انكشاف الأمن القومي العربي، في ظل تداعي عواصم مركزية عربية، والتهاب بؤر التوتر في مناطق عديدة وشديدة التأثير، في مساحات الصراع اقتصادياً وسياسياً.
نقلا عن حفريات