في ظل أجواء متوترة… سجال حاد بين حزب الله والقوات اللبنانية

أثار تصريح النائب علي فياض، عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” جدلاً سياسيًا واسعًا في الأوساط اللبنانية بعد أن أكد أن “حزب الله ما زال هو الحزب الأكبر على المستوى الشعبي في لبنان”. وفي ردّ لافت، أصدر حزب “القوات اللبنانية” بياناً نارياً هاجم فيه تصريحات فياض، معتبراً أنها محاولة فاشلة لإعادة تسويق صورة الجماعة الشيعية المدعومة من طهران كقوة سياسية كبرى في الداخل اللبناني، رغم الضربات العنيفة التي تلقاها الحزب في السنوات الأخيرة، سواء على الصعيد الأمني أو السياسي او حتى الدعم الشعبي.
ورأى بيان “القوات اللبنانية” بقيادة سمير جعجع أن ما قاله فياض يفتقر إلى الواقعية ويتجاهل حالة الارتباك التي يعيشها الحزب المدعوم من إيران منذ مقتل عدد من قياداته المؤثرة، وعلى رأسهم الأمين العام السابق حسن نصرالله. واعتبر البيان أن الحزب لم يعد بالقوة الشعبية التي يتحدث عنها، مشيراً إلى تآكل رصيده الداخلي بسبب الإصرار على الاحتفاظ بالسلاح، وممارسة سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة.
ويقول “لا مشكلة لدينا مع اعتقاد الحزب أنه الأقوى شعبيًا”، “لكن مشكلتنا معه تكمن في رفضه الانخراط الكامل في الحياة السياسية ضمن الأطر الديمقراطية والدستورية. فبدلاً من الاحتكام لصناديق الاقتراع، يصرّ على إبقاء السلاح خارج سيطرة الدولة، ما يُفرغ العملية السياسية من مضمونها.”
“القوات اللبنانية”: مَن يسعى لتأجيج الانقسامات هو مَن ينكر على الدولة حقّها في احتكار السلاح والقرار الأمني والعسكري.#القوات_اللبنانية #الدائرة_الاعلامية pic.twitter.com/s4elTfv8D7
— Lebanese Forces (@LFPartyOfficial) April 28, 2025
كما انتقد البيان أداء الحزب في ملف الجنوب اللبناني، مشيراً إلى أن سلاحه لم يمنع الدمار بل زاد من مآسي اللبنانيين. وقال إن الحزب تسبب في السنوات الأخيرة بـ”تدمير 30 قرية حدودية وأوقع آلاف الضحايا وخسائر اقتصادية ضخمة”، ما يجعل ادعاءاته بالقوة والمسؤولية الوطنية موضع تساؤل حقيقي.
وأكدت القوات اللبنانية أن أي قوة حقيقية في الداخل لا تُقاس بعدد الصواريخ أو المقاتلين، بل بمدى احترامها للدستور اللبناني، وتمسكها بمرجعية الدولة مضيفة أن الدولة وحدها هي الجهة المخولة بتحديد مصادر القوة والضعف، داعيًا إلى إنهاء منطق “الدويلة داخل الدولة”.
وردت أيضًا على كلام فياض حول السيادة في جنوب لبنان، مؤكدة أن الحزب يستمر في الانقلاب على اتفاق الطائف، الذي نصّ صراحة على حصرية السلاح بيد الدولة، والتمسك باتفاقية الهدنة مع إسرائيل. وأكدت أن ما يمارسه منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان عام 2005 يتنافى مع هذا الاتفاق، ويحول دون قيام دولة حقيقية.
وشددت على أن استمرار امتلاك الحزب المدعوم من طهران للقرار الأمني والعسكري، بعيدًا عن الدولة، يمنع قيام مؤسسات فاعلة، ويُبقي لبنان أسيرًا لعلاقات خارجية لا تمثل الإرادة الوطنية. وقال البيان “من غير المقبول الحديث عن سيادة، بينما القرار العسكري بيد تنظيم مسلح مرتبط مباشرة بإيران”.
وفي رده على اتهامات فياض لبعض الأطراف بتأجيج الانقسامات الداخلية، قالت إن المسؤول الأول عن الانقسام هو “من يُنكر على الدولة أبسط حقوقها”، في إشارة إلى احتكار القرار الأمني والعسكري مضيفة أن إطلاق القذائف من خلف مواقع الجيش، والضغط على الحكومة في القرارات السيادية، يُحرج الدولة ويعطل عملها.
واتهم البيان حزب الله بالمساهمة في تعطيل تنفيذ قرارات مجلس الوزراء، وعلى رأسها قرار وقف إطلاق النار الصادر في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، رغم أن للحزب الأغلبية الوزارية متابعا “من يسعى لانقسام حقيقي بين الجيش والمقاومة هو من يرفض تطبيق ما اتفق عليه اللبنانيون في الطائف، ويتعمد عرقلة قرارات الدولة الشرعية”.
ولم يخفِ بيان القوات اللبنانية إدانته الصريحة لما وصفه بـ”العنجهية السياسية” التي ينتهجها حزب الله، وولاءاته الخارجية التي “تجعل من لبنان ساحة لصراعات إقليمية لا طاقة له بها”. ولفت إلى أن تصريحات مسؤولي الحزب تنم عن انفصال عن الواقع اللبناني والمعاناة اليومية التي يعيشها المواطن، من أزمة اقتصادية خانقة، إلى تدهور الخدمات والبنى التحتية.
نرفض العنجهية السياسية من قبل حزب الله
وأكد حزب القوات أن اللبنانيين، خصوصًا سكان الجنوب، يدفعون ثمن تمسك الحزب بخيار السلاح، مشيرة إلى أن مقاومة إسرائيل لا تعني اختطاف القرار الوطني، بل تستوجب التوافق الوطني تحت مظلة الدولة، لا فرض الخيارات بقوة السلاح أو عبر أدوات إقليمية.
وأبرز ما يخرج به المراقب من بيان حزب القوات هو إصراره على تصوير حزب الله كقوة فقدت بوصلة التوازن السياسي، وعاجزة عن قراءة المزاج الشعبي الحقيقي في لبنان. فبينما يعيش اللبنانيون تحت ضغوط اقتصادية غير مسبوقة، يواصل الحزب خطابًا يتغذى على شعارات المقاومة والحرب، في وقت تتطلع فيه البلاد إلى إنقاذ اقتصادي واستقرار سياسي.
والبيان حاد اللهجة ليس مجرد رد سياسي، بل هو رسالة تحذيرية من استمرار النهج الذي يتبعه “حزب الله”، والذي ترى فيه “القوات” تهديدًا فعليًا لكيان الدولة ووحدتها. في ظل الفراغ الرئاسي المستمر، وانهيار الثقة بالمؤسسات، يظل النقاش حول دور السلاح والمقاومة واحدًا من الملفات الأخطر في المشهد اللبناني.
وبينما تواصل الجماعة الشيعية المدعومة من ايران التأكيد على موقعه كقوة شعبية وسياسية، تشير تطورات الداخل اللبناني إلى تراجع فعلي في مستوى القبول الشعبي بخياراته السياسية والأمنية، في ظل حالة الإحباط العامة من الأوضاع القائمة.
ويبقى السؤال: هل يستطيع لبنان تجاوز أزماته في ظل تمسك فصيل بسلاح خارج شرعية الدولة؟ وهل يمكن إنقاذ الدولة من الانهيار في ظل خطاب يراهن على الصراع لا الحل؟