في تحول لافت.. البوليساريو تلمّح لقبول الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية

ألمحت بوليساريو على لسان ما يسمى بوزير داخلية الكيان غير الشرعي إبراهيم البشير بيلا، إلى استعدادها للقبول بمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية تحت سيادة المملكة، وذلك لأول مرة في تاريخ النزاع المفتعل من قبل الجزائر، في تغيير مفاجئ لموقفها الرافض لمجرد الإشارة إلى الحلّ الذي يكتسب يوما بعد يوم زخما دوليا، بينما يبدو أن الجبهة الانفصالية تسعى إلى امتصاص الغضب والاحتقان الاجتماعي المتنامي لدى معظم سكان مخيمات تندوف الرافضين للطرح الانفصالي.
وتحتمل هذه الانعطافة في الموقف أكثر من تفسير، فإما أن الجبهة الانفصالية اقتنعت أخيرا على ضوء المتغيرات الدولية المتعلقة بملف النزاع حول الصحراء وهي متغيرات تعزز كلها الموقف المغربي وبالتالي لم تعد تملك خيارات واسعة للمناورة أو أنها تحاول كسب الوقت والمناورة للالتفاف على ضغوط دولية جدية من بينها تهديد أميركي صريح بتصنيفها تنظيما ارهابيا في حال رفضت الانخراط بجدية في مفاوضات تنهي النزاع على أساس مقترح الرباط للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. ولا تملك بوليساريو سلطة القرار وتلتزم بتنفيذ التعليمات الجزائرية.
ويبدو أن التلميحات الأخيرة تأتي بترتيب جزائري إما في سياق مناورات معتادة أو في سياق مخاوف جزائرية من ارتدادات خطيرة للاستمرار في سياسة العناد والمناكفة في مواجهة الضغوط الأميركية.
ويشير هذا التطور أيضا إلى أن الجبهة الانفصالية تجد نفسها في موقف دفاعي، خاصة أمام الانتصارات الدبلوماسية التي حققها المغرب في قضية الصحراء واتساع قائمة الدول الداعمة لمقترح الحكم الذاتي باعتباره الحل الأكثر وجاهة لحل النزاع المفتعل من قبل بوليساريو وداعمتها الجزائر.
وقال بيلا في تصريح لوسيلة إعلام جزائرية إن “الحكم الذاتي لا يمثل سوى خيار من بين عدة خيارات ينبغي التفكير فيها لتسوية النزاع”، معلنا استعداد الجبهة للانخراط في مفاوضات أممية، بشرط أن تكون “جدية وتفضي إلى حل قائم على مبدأ تقرير المصير”.
وتجمع تقارير دولية وخبراء على أن الحل المغربي يشكل المسار الأكثر براغماتية، باعتباره قابلا للتطبيق وتحقيق السلام والاستقرار الدائمين، بالإضافة إلى أنه يحترم التطلعات الديمقراطية.
ويبدو أن بوليساريو أدركت أخيرا، خاصة بعد تلويح واشنطن بتصنيفها تنظيما ارهابيا، أن أسلم خيار لتفادي العزلة ولتجنيب الجزائر أي ضغوط أميركية، هو القبول بمبادرة الرباط للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية حلا وحيدا للنزاع المفتعل.
وتشير هذه الانعطافة المفاجئة في الموقف إلى أن الجبهة الانفصالية باتت تخشى أن تتخلى عنها الجزائر التي تلقت بكل وضوح الرسالة الأميركية الأخيرة حول ضرورة انهاء النزاع المفتعل والانخراط بجدية في مفاوضات تنهي الأزمة على أساس المبادرة المغربية للحكم الذاتي.
ونقل موقع “هيسبريس” المغربي عن الطالب بوي أباحازم، أحد وجهاء وأعيان قبائل الصحراء المغربية أن “هذا التحول في موقف الجبهة الانفصالية ليس اختياريا بل يعكس اضطرارا فرضته مستجدات داخلية وضغوط خارجية”.
واعتبر أن تصريح وزير داخلية بوليساريو يعكس اعترافا ضمنيا من جبهة البوليساريو بأن ما تطلق عليه الجبهة بهتانا “حق تقرير المصير” لم يعد يعني بالضرورة الانفصال، وأن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية بات صيغة قابلة للنقاش حتى داخل المخيمات نفسها.
وأشار إلى “أن هذا التنازل في الخطاب هدفه الأساسي الحد من الانشقاقات الداخلية، وتفادي المزيد من العزلة الدولية، خاصة مع تزايد الدعوات لتصنيف البوليساريو ضمن التنظيمات المهدّدة للسلم والأمن الإقليميين”.
وتشهد الجبهة الانفصالية حالة من التخبط بعد تفاقم عزلتها الدولية إثر انفضاض أغلب داعميها من حولها، وسط تزايد الدعوات بتصنيفها “تنظيما إرهابيا” باعتبارها تشكل تهديد لأمن واستقرار المنطقة، بينما تطالب عدة منظمات حقوقية بفتح تحقيق في ملف المساعدات الإنسانية والأموال المالية التي أرسلتها جهات دولية مانحة لتحسين الأوضاع المعيشية لسكان مخيمات تندوف، لكن بوليساريو أغدقتها على قياداتها وأنصارها وحرمت منها مستحقيها الرافضين للطرح الانفصالي بهدف إذلالهم وتركيعهم، في إطار عقاب جماعي.
كما تطالب منظمات حقوقية بفتح تحقيق في الانتهاكات التي ارتكبتها بوليساريو وأدت إلى تنامي السخط في صفوف الصحراويين، ما دفع العديد من الشباب إلى الفرار والالتحاق بالتنظيمات المتطرفة في المنطقة من بينها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
بدوره أكد سعيد بوشاكوك، الباحث الأكاديمي المهتم بقضايا التنمية والمجال، أن التصريحات الأخيرة لوزير داخلية جبهة البوليساريو “تعكس حجم الارتباك والتناقض اللذين يطبعان الخطاب السياسي للجبهة، خصوصا منذ بدء تشكل قناعة دولية بضرورة تسوية النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية عبر حل سياسي واقعي ومتفاوض بشأنه”.
وتابع أن الجبهة الانفصالية تسعى إلى تجنب انفجار الوضع في ظل الشرخ المتفاقم بين القيادة المنعزلة والمجتمع المحلي المشتت داخل المخيمات، لا سيما في ظل تآكل الطرح الانفصالي، وانحسار الدعوات المؤيدة له، مقابل تزايد التأييد الدولي لمقترح الحكم الذاتي، من قبل عشرات الدول الأوروبية والأفريقية والخليجية.
وتشير التطورات المتسارعة إلى أن المغرب يقترب أكثر من أي وقت مضى من حسم قضية الصحراء، خاصة مع الالتزام الأميركي والفرنسي بدعم القضية المغربية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بينما ينتظر أن تنضم لندن التي تدرس تغيير موقفها بشأن هذا الملف إلى الدول المؤثرة في صناعة القرار الأممي التي تدفع باتجاه تطبيق مقترح الحكم الذاتي.