فرنسا ترفع مستوى قوتها البحرية بحاملة طائرات جديدة
مع إعلان فرنسا عن بناء حاملتها النووية الجديدة، تبرز هذه الخطوة كإشارة قوية إلى تجدد الطموح العسكري الفرنسي في القرن الـ21،
في وقت تتسارع فيه التحديات البحرية والجوية على الصعيدين الإقليمي والدولي.
والحاملة الجديدة ليست مجرد سفينة حربية ضخمة، بل تعد رمزا للقدرة التكنولوجية والسياسية لباريس، حيث تجمع بين الحجم الهائل والتجهيزات المتقدمة من الطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار وأنظمة الحرب الإلكترونية، لتصبح منصة عسكرية متعددة الأبعاد قادرة على تنفيذ مهام استراتيجية بعيدة المدى.
وهذا المشروع يعكس أيضًا توجه فرنسا نحو الاستقلالية التشغيلية في مجال الدفاع، خصوصًا من خلال الدفع النووي الذي يتيح لها الابتعاد عن الاعتماد على الوقود التقليدي، وتوسيع نطاق عملياتها البحرية والجوية عالميًا.
وفي الوقت نفسه، يشكل المشروع فرصة لإعادة تنشيط الصناعة الدفاعية المحلية، عبر إشراك مئات الشركات الفرنسية في سلسلة الإنتاج، ما يجعله قمة التوازن بين القوة العسكرية والتفوق الصناعي والتكنولوجي.
وقالت صحيفة “لوموند” الفرنسية إن الحاملة الجديدة، المعروفة باسم “حاملة الطائرات للجيل الجديدة”، من المقرر دخولها الخدمة في عام 2038، وستكون أكبر وأقوى من أي حاملة طائرات فرنسية تم بناؤها من قبل، مع تجهيزات متقدمة تشمل الطائرات المقاتلة، والطائرات بدون طيار، وأنظمة الحرب الإلكترونية، لتلبية متطلبات العمليات العسكرية المستقبلية.
مواصفات الحاملة الجديدة
من المتوقع أن يبلغ طول الحاملة الجديدة حوالي 310 أمتار، مقابل 261 مترًا لحاملة “شارل ديغول”، ووزنها يصل إلى نحو 80 ألف طن مقابل 42 ألف طن لسابقتها.
وستستوعب السفينة 30 طائرة مقاتلة، بالإضافة إلى أنواع متعددة من الطائرات بدون طيار المخصصة للمهام القتالية والمراقبة، كما سيتم تزويدها بأنظمة الحرب الإلكترونية المتقدمة مثل الرادارات، أجهزة التشويش عالية الطاقة، والليزر.
ويبلغ طاقم السفينة 2000 بحار، ما يجعلها منصة عسكرية متكاملة قادرة على تنفيذ عمليات بحرية وجوية حول العالم دون الاعتماد على ناقلات الوقود، بفضل نظام الدفع النووي المتطور، الذي يمثل إحدى ميزات التفوق الفرنسي في أوروبا في هذا المجال.
التقنيات المتقدمة
ستكون الحاملة مزودة بـ نظام إطلاق الطائرات الكهرومغناطيسي EMALS، المستورد من التكنولوجيا الأمريكية، ليحل محل نظام البخار التقليدي المستخدم في “شارل ديغول”.
ويعزز هذا النظام سرعة وكفاءة إطلاق الطائرات، ويتيح للعملية الجوية قدرة أكبر على التعامل مع أنواع متعددة من الطائرات المقاتلة والمراقبة.
كما ستضم السفينة مفاعلات نووية قوية مشابهة لتلك المستخدمة في الغواصات النووية، قادرة على دعم استهلاك الطاقة الكبير لأنظمة الحرب الإلكترونية والطائرات دون طيار.
تاريخ المشروع والتمويل
تمت الموافقة على المشروع في 2018، وتم إدراجه رسميًا ضمن ميزانية 2025، مع اعتماد القانون المالي في فبراير من نفس العام.
ويتولى تنفيذ المشروع تحالف صناعي يضم “نافال جروب” و “شانتيير أتلانتيك” لبناء الهيكل، و “تكنيك أتوم” تجهيز المفاعلات النووية.
وقد تم تخصيص 7.3 مليار يورو للعقود الأولى، على أن يتم دفع الجزء الأكبر من التكلفة بعد عام 2027، مما يترك للشركات المعنية المسؤولية عن التمويل المسبق.
وفي 25 سبتمبر/أيلول الماضي، تم البدء رسميًا في البناء عبر لحام أول صفيحة للهيكل الذي يضم مفاعلات الدفع النووي، والتي سيتم دمجها لاحقًا داخل جسم السفينة بطريقة مشابهة لتركيب “الدمى الروسية”.
الأهمية الاستراتيجية
وأكد الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن المشروع يأتي في “زمن المفترسين”، في إشارة إلى ضرورة امتلاك قدرات عسكرية قوية ومرنة لتكون فرنسا مهيبة وقادرة على الردع.
وتمثل الحاملة الجديدة جزءًا أساسيًا من استراتيجية الدفاع الفرنسية طويلة المدى، بما يضمن قدرة باريس على تنفيذ عمليات بحرية وجوية في مختلف مناطق العالم، سواء في المهام العسكرية أو الاستجابة للأزمات الدولية.
وتمتلك فرنسا حاليًا الميزة الأوروبية الوحيدة في تقنية الدفع النووي، ما يسمح لها بالاعتماد على حاملات طائرات ذات مدى عملياتي عالمي دون الحاجة إلى الوقود التقليدي، بينما تمتلك الولايات المتحدة أسطولًا نوويًا أكبر يصل إلى 11 حاملة طائرات، مع ثلاث حاملات أخرى قيد البناء.
الإنتاج والصناعة
ويتوقع أن يستغرق المشروع نحو 12 عامًا من أول الأوامر إلى تشغيل المفاعلات النووية، بما يشمل سلسلة الإنتاج الكاملة من تصنيع الصلب، وتجهيز المحركات، وبناء الهيكل، وصولًا إلى تركيب الأنظمة الإلكترونية والطائرات.
وسيشارك حوالي 800 شركة فرنسية في سلسلة التوريد، ما يجعل المشروع أحد أهم برامج التصنيع الدفاعي في فرنسا خلال العقود القادمة.
وتمثل هذه الحاملة الجديدة قفزة نوعية في القوة البحرية الفرنسية، وتجسيدًا للقدرات التكنولوجية الأوروبية في مجال السفن الحربية النووية.
ومع تجهيزها بأحدث الأنظمة العسكرية والالكترونية، ستعزز فرنسا موقعها الاستراتيجي في العالم، وتؤكد قدرتها على إدارة العمليات البحرية والجوية المعقدة على نطاق عالمي، مع المحافظة على استقلاليتها التشغيلية في مجال الطاقة والدفاع.







