سياسة

غربان الإسلام السياسي


ترى فرنسا أنها يجب عليها أن تمضي في مواجهة التطرف وهو حق من حقوقها، فالتطرف يجب أن يحارب في كل زمان ومكان، والذي يُعد جزءاً كبيراً منه نتيجة قراءات واستنتاجات خاطئة لبعض النصوص الدينية والعادات والثقافات والقوميات العنصرية والطائفية، وهذا ما جعل الكثير من الدول العربية تحاربه بدون توقف، وتعالج أسبابه، وتوقف دعاة استقطابه، لكن ما الطريقة المناسبة لذلك؟ ثم ما ذنب خمسة ملايين مسلم فرنسي يتم الاعتداء عليهم بطريقة عرقية بغيضة؟ وربما معاقبتهم بشيء آخر، أو أن لا يعاملوا باحترام.

حتما لا يخدم السلام والتعايش الاجتماعي، ولا حتى العلمانية والحرية التي تتفاخر بها، كما أن هذه الأساليب والسجالات المتبادلة لا يمكن أن تفضي إلى حل مناسب وجذري، فحرية التعبير حق مطلوب، ولكن ليس بالمطلق، فليس من حق أي أحد أن يستخدم حرية التعبير لتوجيه الإهانة لحشد هائل من البشر؛ لأجل ديانتهم ومعتقداتهم، ولا ينتظر الرد أو على الأقل الرفض.

الغرب عموماً ينظر إلى الإسلام نظرة توجس وخوف وصلت إلى مرحلة الإرهاب؛ لأنه نفسه لا يفرق أبدا بين الإسلام والمتأسلمين، وجماعات الإسلام السياسي التي تتاجر بالدين، واعتبرته وسيلة لتحقيق أهدافهم واستدعاء الناس لصراعات دينية، فهي تُعد السرطان الذي يشوه صورة الإسلام، ويوقف انتشاره، ويدمر ويقتل الأمة، ومعاول للهدم والحرب التي يشنها الأعداء على بلاد المسلمين ردا على أفعالهم، مثلما أكدت رابطة العالم الإسلامي حين ذكرت “أن الإسلام السياسي الذي يُروّج له المتطرفون يستهدف أمن واستقرار الدول باسم الدين للوصول إلى أهداف ومكاسب حزبية متطرفة”.

ليس من عين العقل التقليل من شأن الأزمة المحتدمة بين حكومة فرنسا، وحكومات وجماعات إسلامية ذات ثوابت متطرفة، فما حدث في فرنسا يجب أن يكون فرصة مناسبة لمناقشة كل هذه القضايا بصراحة وصدق وموضوعية بدون تعصب أو تشنج مبالغ فيه أو تفريط، عبر مُوَازنات تحاول المواءمة ما بين الآثار السلبية والاستفادة منها، وتجاوزها نحو تحقيق غاية كبرى لمنع تجدد ذلك مستقبلا، فالرد غير المناسب والمتهور والمسلح يؤدي إلى المزيد من الاستقطاب السياسي والثقافي والمزيد من التشويه، وسفك الدماء والعنف والتطرف والإرهاب والمزيد من الدموع والندامة.

علينا أن نجتهد لكي نحمي الإسلام والمسلمين وفق أسس علمية مدروسة، وأن نكون مشروعا متكاملا نفهم ونقدم من خلاله للعالم حقيقة الإسلام في ظل المتغيرات العالمية، نحميه من الضفة المقابلة في الغرب والتطرف اليميني الذي يغذي التطرف الديني هناك، ويتغذى به الكثير كردة فعل مقابلة، عندها سيكون الخاسر الأكبر هم المسلمون الذين يمثلون أقليات.

على المجتمعات الإسلامية أن تعترف بالفشل المتراكم، بعد أن دفعت الثمن من جماعات الإسلام السياسي، التي هي أيضا فشلت في أن تعترف بالمشتركات الوطنية والأخلاقية والقانونية، والتعايش المدني، واعتمادها على الأيديولوجيا لتسيير حياة المجتمعات والشعوب، رغم تسويقها للحرية والديمقراطية وبقية الشعارات البراقة، ما أسهم في رفضهم لتحل بهم الكارثة في الكثير من الدول، والتي لطالما رقصت على ألم ومآسي الشعوب، ومارست الشعبوية لتحقيق غاياتها.

فما إن تأتي واقعة من هذا النوع، حتى تستغلها لكسب مزيد من الاستقطاب، ومزيد من التأثير وتعويض لهزائمها وانكساراتها، فتثور ثائرة الجماهير البسيطة والعاطفية في حركات عفوية واسعة النطاق، مما يجعلنا نعود إلى المربع الأول بربطه بالتطرف والإساءة إلى الإسلام، بينما هم يظنون أنفسهم يدافعون عنه ويقدمون له خدمة، وهو ما يجعل شرهم وخطرهم أكثر من الأعداء والمتربصين.

‏أعتقد معركة الإسلام وهي الأخطر تكمن في غربان جماعات الإسلام السياسي التي تدعي الإسلام وتجيد التلون واختراق الشعوب من خلاله، وتجيد تحريف واستغلال الأحداث وتغيير المفاهيم وخداع الناس لغايات حزبية وسياسية، فالإسلام لا يعترف بهؤلاء؛ لأنه دين شامل يدعو بالحجة والمنطق ومكارم الأخلاق وليس هو الإرهاب.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى