سياسة

عودة دولة الجنوب.. مكاسب الانتقالي تُغيّر معادلة اليمن


يشهد جنوب اليمن تحوّلا سياسيا وعسكريا لافتا في موازين السلطة بعد تمكن المجلس الانتقالي الجنوبي من بسط سيطرته على المحافظات الجنوبية كافة، بما فيها مدينة عدن الاستراتيجية. هذا التقدم العسكري والسياسي يعكس قوة التنظيم وقدرته على توحيد القوات المسلحة الجنوبية تحت مظلة واحدة، ويعيد فتح النقاش حول مستقبل الحكم الذاتي في الجنوب وخيار دولة الجنوب العربي. في الوقت نفسه، يطرح هذا الواقع الجديد تحديات تتعلق بشرعية الحكومة المعترف بها دولياً وبآليات إدارة التوازنات السياسية والأمنية في البلاد، ما يجعل المرحلة الحالية محطة حاسمة لفهم اتجاهات الصراع وإمكانات الاستقرار في اليمن.

وأعادت هذه التطورات رسم المشهد اليمني بعد إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي بسط سيطرته على كامل المحافظات الجنوبية، في خطوة تُعدّ من أكثر التطورات تأثيرا على توازنات السلطة منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل/نيسان 2022.

وقد أعلن عمرو البيض المسؤول البارز في المجلس، أن المحافظات الجنوبية الثماني باتت تحت “حماية القوات المسلحة الجنوبية”، مؤكدا أن العملية العسكرية التي أُطلقت الأسبوع الماضي تحت مسمى “المستقبل الواعد” مهّدت لتوحيد الحضور العسكري للمجلس على امتداد الجنوب، بما في ذلك مدينة عدن التي تُعد مركزا رمزيا وسياسيا للحكومة المعترف بها دولياً.

يمثل هذا التقدم، وفقاً للمجلس، استكمالاً لمشروع سياسي يسعى منذ سنوات إلى انتزاع إدارة الجنوب وتعزيز الحكم الذاتي، استنادا إلى إرث دولة جنوب اليمن السابقة قبل الوحدة عام 1990، غير أن هذا التحرك لا يمر من دون اعتراضات داخل معسكر الشرعية ذاته، حيث اعتبر رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي، خلال لقاء مع دبلوماسيين في الرياض، أن ما قام به الانتقالي “يقوّض شرعية الحكومة” ويشكّل خرقا لاتفاقات تقاسم السلطة المدعومة من السعودية.

ومنذ انتقال الحكومة المعترف بها دولياً إلى عدن بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء عام 2014، شهدت المدينة وبقية محافظات الجنوب صراع نفوذ مكثفاً بين أطراف الشرعية، وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي الذي ظل يطالب بدور أكبر في إدارة المناطق الجنوبية.

وفي السنوات اللاحقة، تحوّلت الخلافات السياسية إلى مواجهات مسلحة متكررة انتهت إلى اتفاق الرياض عام 2019، الذي سعى إلى ترتيب شراكة في الحكم بين الطرفين، قبل أن ينتقل الأمر إلى صيغة أوسع في 2022 مع تأسيس مجلس القيادة الرئاسي الذي ضم رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزُبيدي نائباً لرئيس المجلس.

لكن التطورات الأخيرة تشير إلى أن هذا المسار التوافقي يواجه انتكاسة كبيرة، فالمجلس الانتقالي يؤكد أن سيطرته الحالية تأتي استجابة لـ”تفويض شعبي” ولحماية الجنوب من تشتت القرار الأمني والعسكري، بينما ترى الحكومة أن ما يحدث هو تجاوز لصلاحياتها وفرض واقع جديد بالسلاح. كما تشير مصادر في عدن إلى مغادرة شخصيات سياسية بارزة من جماعات أخرى، من بينها رئيس المجلس الرئاسي ورئيس الوزراء، في مؤشر على تفاقم الانقسام داخل الشرعية.

في موازاة التحرك العسكري، عقد عيدروس الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، اجتماعاً موسعاً مع قيادات المجلس، أكّد خلاله أن الجنوب يقف أمام “مرحلة مصيرية” فرضتها المعادلة السياسية والعسكرية الراهنة.

وقدّم الزُبيدي تهنئة لشعب الجنوب بما وصفه بـ”تحرير وادي حضرموت والمهرة”، مشيراً إلى أن التضحيات التي قدمها الجنوبيون خلال السنوات الماضية وضعتهم أمام مسؤولية تاريخية، مشددا على أن المجلس الانتقالي يدير المرحلة الحساسة الحالية “بكفاءة واقتدار”، داعيا مختلف المكوّنات الجنوبية إلى رصّ الصفوف ودعم المجلس لتعزيز وحدة الجبهة الداخلية والحفاظ على ما وصفها بـ”الإنجازات” على الأرض.

كما أكد على أن المرحلة المقبلة ستشهد عملاً مكثفاً لبناء مؤسسات دولة الجنوب العربي “القادمة”، وفق أسس حديثة تعتمد على الشفافية والمشاركة المجتمعية.

ولم يخلُ خطاب الزُبيدي من رسائل تطمين، إذ أكد أن الدولة المنشودة ستكون “جامعة لكل أبناء الجنوب دون استثناء”، قائمة على الشراكة الوطنية والتعايش الإيجابي مع دول الجوار، بما يجعلها بحسب تعبيره جزءا فاعلا في المنظومة الإقليمية وصمام أمان في محيطها.

وحجز المجلس الانتقالي الجنوبي لنفسه خلال الأعوام الماضية موقعاً متقدماً في المعادلة الإقليمية، مستفيداً من دعم سياسي وعسكري من دول التحالف، خصوصا الإمارات، إلى جانب دعم سعودي لاتفاقات تقاسم السلطة. وفي كلمته، ثمّن الزُبيدي الدور الذي لعبه التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، معتبراً أن هذا الدعم يشكل “شراكة استراتيجية قائمة على المصير المشترك”.

لكن اتساع النفوذ الجنوبي يضع التحالف أمام اختبار جديد، إذ تسعى الرياض إلى دفع الأطراف اليمنية نحو مسار سياسي يضمن تماسك معسكر الشرعية في مواجهة الحوثيين، بينما يمضي الانتقالي في تعزيز مشروعه الخاص بالانفصال أو الحكم الذاتي الواسع.

وفي المقابل، يعتقد مراقبون أن بسط المجلس سيطرته الأمنية والعسكرية قد يمنح الجنوب استقراراً نسبيا، لكنه يهدد في الوقت نفسه بتعميق الشرخ بين أعضاء المجلس الرئاسي ويضعف جبهة الشرعية في مواجهة الحوثيين.

وتثير التطورات الأخيرة أسئلة حول مستقبل العملية السياسية في اليمن، خصوصاً أن الجنوب بات اليوم في موقع أقوى من أي وقت مضى منذ اندلاع الحرب. فالمجلس الانتقالي يطرح نفسه طرفا لا يمكن تجاوزه في أي تسوية قادمة، بينما تصر الحكومة على أن خطواته “أحادية” وتهدد بنسف اتفاق الرياض.

وفي ظل غياب توافق داخلي، واستمرار تمسّك كل طرف بخياره السياسي، يبدو اليمن أمام مرحلة جديدة من إعادة تشكيل مراكز النفوذ، قد تعيد رسم حدود السيطرة وموازين القوى، وربما تُدخل البلاد في مسار تفاوضي مختلف يقوم على الاعتراف بالأمر الواقع في الجنوب.

ومع استمرار الغموض بشأن ردود الفعل الإقليمية والدولية، يبقى مستقبل هذا التحول مرهوناً بقدرة الأطراف على تجنّب الانزلاق إلى صدام جديد، وعلى الإبقاء على مسار سياسي يوازن بين طموحات الجنوب ووحدة الشرعية وتحديات المواجهة مع الحوثيين.

وفي تطور آخر على علاقة بالتحولات المفصلية في جنوب اليمن، شهد مخيم الاعتصام المفتوح في محافظة الضالع اليوم الثلاثاء ولليوم الثاني على التوالي، توافدا جماهيريا واسعا، يعكس الدعم الشعبي لمطلب إعلان استقلال الجنوب العربي واستعادة الدولة.

وتخللت فعاليات المخيم، التي حضرها فريق التوجيه والرقابة الرئاسي برئاسة المحامي يحيى الشعبي، كلمات لرئيس تنفيذية انتقالي الضالع العميد عبدالله مهدي، وعضو الفريق عبدالـرؤوف زين، أكدت دعم المطالب الشعبية وتعزيز الاصطفاف خلف قيادة المجلس الانتقالي.

وخلال زيارته للمخيم، اطلع محافظ محافظة الضالع اللواء علي مقبل على سير الفعاليات وحجم المشاركة، مؤكدًا أهمية صوت الجماهير في تحديد ملامح المرحلة القادمة.

وتوافدت أعداد كبيرة من جماهير مديرية الحصين، تتقدمهم قيادات المجلس والسلطة المحلية وشخصيات اجتماعية، ما يعكس وحدة المجتمع والتفافه حول القيادة الجنوبية.

وأكد المعتصمون دعمهم لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزُبيدي والإجراءات التي يقودها في مسار التحرر الوطني وبناء مؤسسات دولة الجنوب العربي، مشيدين بالمكاسب العسكرية والسياسية الأخيرة في محافظتي حضرموت والمهرة.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى