سياسة

عودة ترامب إلى البيت الأبيض؟ السعودية قلقة من التحولات في السياسة الأمريكية


 يتوقّع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان علاقات شخصية أكثر دفئا مع البيت الأبيض إذا فاز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني، لكنّه يدرك أيضا المخاطر المصاحبة لعودة المرشح الجمهوري الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته.

ووسط الاضطرابات الجارية في الشرق الأوسط والغموض المحيط بـ”صفقة كبرى” للاعتراف بإسرائيل مقابل ضمانات أمنية أميركية للسعودية، يدرك الأمير محمد أنّ ترامب قد يقوض أجندته، وفق ما يقول محلّلون.

وبعد أن تعافت العلاقة مع إدارة الرئيس جو بايدن إثر بداية صعبة، يعتقد ولي العهد السعودي البالغ 39 عاما أنّ بوسعه العمل مع المرشحة الديموقراطية ونائبة الرئيس كامالا هاريس إذا فازت في الانتخابات في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني.

وتقول المستشارة البارزة في شؤون الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية دنا اسفندياري “أعتقد، بشكل كبير، أن السعوديين أكثر حرصا على فوز ترامب”، متابعة “ظاهريا، سيكون أكثر دعما لهم وأقل انتقادا لهم. لكنهم قلقون بشأن بعض الأشياء غير التقليدية التي قد يفعلها”.

وعند توليه منصبه في عام 2017، سارع ترامب إلى التودّد للسعوديين، فكانت أول رحلة خارجية له إلى الرياض حيث لقي ترحيبا واسعا شمل رقصا بالسيف مع الملك سلمان بن عبدالعزيز وتحليق طائرات القوات الجوية فوق مكان الاحتفال.

ثم بردت فترة شهر العسل لاحقا بعد أن انتقد ولي العهد ترامب لفشله في الردّ بشكل أكثر قساوة بعد هجوم على منشآت نفطية سعودية في 2019 ألقي باللوم فيه على إيران وأدى إلى خفض إنتاج المملكة الخليجية من النفط الخام إلى النصف لبعض الوقت.

أما مع بايدن، فكان المسار معكوسا تماما، إذ تعهّد الرئيس الأميركي خلال حملته الانتخابية بجعل السعودية دولة “منبوذة” قبل أن يدخل معها في محادثات لتعميق العلاقات الأمنية والاقتصادية الثنائية في مقابل اعتراف الرياض بإسرائيل.

وأدّت الحرب في قطاع غزة إلى تجميد مفاوضات التطبيع، لكن إحدى نتائج تحوّل بايدن تكمن في أن السعوديين “أصبحوا الآن مرتاحين بالقدر نفسه” مع وجود ترامب أو هاريس في البيت الأبيض، كما يقول المحلّل السعودي المقرّب من الحكومة علي الشهابي.

ويوضح الشهابي أن “الرياض تتمتع بعلاقة جيدة مع ترامب ومستوى عال من التواصل معه، وفي الوقت نفسه لديها الآن علاقة ممتازة مع إدارة بايدن – هاريس ولا ترى أي سبب لتغيير ذلك”، مضيفا “إنها لحظة نادرة عندما يكون السعوديون راضين حقا عن فوز أي من الحزبين”.

وأدى غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/شباط 2022 إلى ارتفاع أسعار الطاقة بشكل قياسي، ما عزّز نفوذ الرياض كقوة رئيسية في الشرق الأوسط وأكبر مصدّر للنفط الخام في العالم.

وبحلول يوليو/تموز من ذلك العام، سافر بايدن إلى جدة حيث سلّم على الأمير محمد بقبضة اليد ما أثار جدلا، بعد سيل الانتقادات التي كان وجهها للرياض على خلفية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في اسطنبول في عام 2018. وانتقل الجانبان في مرحلة لاحقة إلى وضع الخطوط العريضة لاتفاقية من ثلاثة أجزاء تعترف فيها السعودية بإسرائيل في مقابل اتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة والمساعدة في برنامج نووي مدني.

ويقول الباحث السعودي في مؤسسة “أوبزرفر” للأبحاث في الشرق الأوسط عزيز الغشيان إن التقدم الذي أحرزه الطرفان دفع إلى الاعتقاد بأنه رغم نقاط الخلاف، فإن الديموقراطيين والجمهوريين على استعداد للعمل بشكل وثيق مع المملكة، مضيفا “أعتقد أن بايدن الذي بدأ بخطاب قوي معاد للسعودية، يجسّد هذا الواقع.

ويوضح محللون أنّه من المرجح أن يكون ترامب وهاريس حريصين على استئناف المحادثات بشأن التطبيع. وشدّدت السعودية أخيرا على أنه دون دولة فلسطينية، لن تكون هناك علاقات مع إسرائيل.

وخلال عهد بايدن، غيّرت السعودية نهجها بشأن العلاقة مع غريمتها الإقليمية إيران، بطريقة قد تجعلها أقلّ حماسا لولاية ثانية لترامب المعادي تماما لإيران.

وفي مارس/آذار 2023، أعلنت المملكة عن تقارب مفاجئ مع الجمهورية الإسلامية برعاية صينية بعد سبع سنوات من قطع العلاقات.

وكثّف الطرفان المحادثات والاجتماعات الثنائية خصوصا منذ اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بين إسرائيل وحماس المدعومة من إيران في غزة، وتعمل السعودية بشكل حثيث على احتواء توسّع الحرب.

ويشير سجّل ترامب إلى أنه قد يقوّض المسعى السعودي. وانسحب الرئيس السابق من جانب واحد من الاتفاق التاريخي الذي تم التوصل إليه في العام 2015 حول ملف إيران النووي، وأمر باغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في عام 2020.

ويقول الغشيان “أتوقع أن الأمور ستتعقّد مع السعودية حول إيران إذا وصل ترامب إلى الرئاسة”. إلا أن الرياض وفريق ترامب يواصلان تعزيز روابطهما ويحضر كبار رجال الأعمال القريبون منه مؤتمرات استثمارية كبرى في الرياض، كما أن مجموعته الاقتصادية تنشط في الخليج.

وفي يوليو/تموز، أعلنت المجموعة عن صفقة للشراكة مع مطوّر سعودي لبناء برج شاهق في مدينة جدة الساحلية.

كما ذكرت تقارير صحافية أن جاريد كوشنر، صهر ترامب، تلقّى استثمارا سعوديا بقيمة ملياري دولار في شركته الخاصة.

وتقول كريستين ديوان من معهد دول الخليج العربية في واشنطن إن صفقات مماثلة تعني أن ولاية ترامب الثانية “ستثير بالتأكيد أسئلة أخلاقية”، مضيفة أنها تساعد أيضا في تفسير سبب التفاهم الجيد بين الجانبين، متابعة “علامة ترامب التجارية تعكس إلى حد ما السياسة العائلية والمصالح العامة والخاصة المتداخلة في الخليج”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى