متابعات إخبارية

طهران تواجه أزمة هيكلية مع تصاعد الخلاف حول البرنامج النووي


 تفاقمت الصراعات داخل النظام الإيراني حول السياسة النووية وكيفية التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتكشف عن تناقضات سياسية وأيديولوجية عميقة تهدد استقرار هرم السلطة. ولم يعد الجدل يقتصر على الجوانب الفنية والقانونية للملف النووي، بل أصبح مرآة تعكس أزمة النظام الهيكلية وصراع الأجنحة الحاكمة على النفوذ والسلطة.
وفي هذا الإطار، وجه 71 نائبًا رسالة إلى هيئة رئاسة البرلمان، مطالبتهم باستجواب وزير الخارجية عباس عراقجي، وطرح خيار الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، تكشف عن عمق هذه الأزمة التي تهز أسس النظام.

وكشفت رسالة النواب في البرلمان الإيراني عن جولة جديدة من التوترات حول الأزمة النووية. حيث أكد النائب حامد يزديان في تصريح لوكالة أنباء الحرس الثوري أن الهدف من الرسالة هو “الرقابة على الاتفاقيات التي أبرمها عراقجي في القاهرة”، مشيرًا إلى مخاوف النواب بشأن “أمن العلماء والمراكز النووية” و”حقوق إيران النووية”. وهذا التحرك يمثل تحديًا مباشرًا لقرار المرشد الأعلى علي خامنئي بتعطيل البرلمان لمدة 18 يومًا، في محاولة فاشلة لاحتواء الأزمة بعيدًا عن الرقابة. وقد وصفت إحدى وسائل الإعلام الحكومية هذا التعطيل بأنه “فشل استراتيجي” في فترة حساسة، مما زاد من حدة الانقسامات بدلاً من تهدئتها.

وإلى جانب الصراعات البرلمانية، نظم الباسيج (مليشيا عقائدية مسلحة تضم ملايين المتطوعين وممولة مباشرة من الدولة) وما يسمى بـ”الطلاب” تجمعات احتجاجية أمام المجلس الأعلى للأمن القومي، رافعين شعارات مثل “لا لتسليم وثائقنا النووية للأعداء عبر الوكالة”.
 وهذه الاحتجاجات، التي تُنظمها مؤسسات النظام، تُستخدم كأداة في يد الأجنحة المتصارعة للضغط على بعضها، مما يكشف عن الفوضى السياسية التي تعصف بالنظام. وهذه الاستعراضات ليست سوى مظهر آخر للأزمة الداخلية التي تهدد استقرار ولاية الفقيه.

وتصاعدت حدة الانتقادات بعد اعتراف عراقجي في مقابلة تلفزيونية بتوصله إلى اتفاق مع الوكالة الدولية. ورد النائب كامران غضنفري بلهجة تهديد، قائلاً “إما أن تنفوا تصريحات رافاييل غروسي (المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية) وتقدموا نص الاتفاقية، أو استعدوا للمساءلة”.
وذهب النائب قادري إلى أبعد من ذلك، مهددًا بأن “الخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي سيكون أحد ردود إيران إذا فُعلت آلية الزناد”.
كما اتهم النائب حسيني كيا وزارة الخارجية بـ”التحايل على قانون البرلمان”، مطالبًا باعتقال غروسي إذا زار طهران. وهذه التصريحات تكشف عن استخدام الملف النووي كسلاح في الصراعات الفئوية، دون تقديم استراتيجية خارجية متماسكة .

وفي ظل هذه الانقسامات، يواصل الشعب الإيراني تحديه للنظام عبر حراكه الشعبي داخل إيران وخارجها. في 6 سبتمبر/أيلول 2025، شهدت بروكسل تظاهرة حاشدة ضمت عشرات الآلاف من الإيرانيين، أعلنوا فيها دعمهم لـ”الخيار الثالث” الذي تقوده مريم رجوي، رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، والذي يدعو إلى تغيير النظام بقيادة الشعب ومقاومته المنظمة.

ويمتد هذا الزخم إلى نيويورك، حيث يتجمع آلاف الإيرانيين من أكثر من 40 ولاية أميركية، بدعم من شخصيات أميركية بارزة، في ساحة داغ همرشولد أمام الأمم المتحدة يومي 23 و24 سبتمبر/أيلول 2025. في مظاهرة تنظمها منظمة الجاليات الإيرانية–الأميركية والمجلس الوطني للمقاومة، تهدف إلى إدانة حضور رئيس النظام مسعود بزشكيان، صاحب أعلى معدل إعدامات عالميًا وراعي الإرهاب الحكومي، ورفع شعارات واضحة “لا للاسترضاء، لا للمشروع النووي، لا للحروب الخارجية، ونعم لتغيير النظام”.

ويكشف الصراع حول الملف النووي عن أزمة هيكلية داخل النظام، حيث يعكس الانقسام بين النواب والأجنحة الحاكمة تنافسًا محمومًا على السلطة.

وهاجمت صحيفة “كيهان”، التي يديرها حسين شريعتمداري المقرب من خامنئي، الجناح المنافس بسخرية، داعية إلى “تغيير نموذج” التيار الموالي للغرب.
في المقابل، أكد محسن ثاني من لجنة الأمن القومي أن “دخول مفتشي الوكالة غير مسموح دون تعويضات الحرب”، بينما دعا رئيس اللجنة، إلى قرار جماعي للنظام. في صراع يعكس تشتتًا استراتيجيًا يفاقم ضعف النظام.

وفي هذا السياق، تمثل مظاهرة نيويورك فرصة تاريخية لإيصال صوت الشعب الإيراني المطالب بالحرية والديمقراطية. وهي ليست مجرد احتجاج، بل رسالة إلى العالم بأن الشعب الإيراني، بدعم المقاومة المنظمة، مصمم على إسقاط الديكتاتورية وإقامة جمهورية علمانية. وتدعو المقاومة الأحرار والقوى الديمقراطية للمشاركة في هذا الحدث، مؤكدة أن إرادة الشعب ستنتصر.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى