ضباع أردوغان
يرقص ضباع أردوغان فرحا معتقدين أنهم قد حققوا تقدما في بعض المناطق، وكأنهم فازوا بمعركة العلمين بعد أن خسرها أسلافهم، ويرقص معهم ضباع التهريج الإعلامي، وكأنهم اجترحوا الخبر المعجزة، ولكن ثمة ما ينسونه أو يستغفلون أنفسهم فيه
أولا؛ الأزمة ما تزال مفتوحة على مصراعيها، والحل السياسي ما يزال مطلوبا. وما من حل سياسي، إلا وسوف يستند إلى أساسين لا مفر منهما: حل المليشيات، وإجراء انتخابات تشريعية جديدة. وفي كلا هذين الأساسين، فإن هزيمة المليشيات وحكومتها ستكون ماحقة.
ثانيا؛ طرابلس ما تزال محاصرة وفيها سلطة المليشيات، المدعومة بالقوات التركية ومرتزقتها.
ثالثا؛ الدعم التركي لن يستمر إلى الأبد.
فحكومة رجب طيب أردوغان بدأت تستجدي سبلا لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار وقد لا تجد إلا صندوق النقد الدولي الذي لن يمنحها قروضا إلا بمعايير وضوابط تتناقض جملة وتفصيلا مع سياساته العشوائية.
وسواء سقط نظام أردوغان عاجلا أم آجلا، فإنه سوف يسقط في نهاية المطاف، ولن يكون لتركيا مكان في ليبيا حرة ومستقلة.
رابعا؛ المشروع التوسعي الأردوغاني لا نصيب له من النجاح في أي مكان، ليس لأنه يسير عكس اتجاه التاريخ فحسب، بل لأنه لم يؤسس نموذجا صالحا للحياة، ولا حتى في تركيا نفسها.
خامسا؛ الجيش الوطني الليبي، ليس مجرد قوة عسكرية. إنه واجهة قوة شعبية كبرى أيضا، تمثل معظم أرجاء ليبيا. وهذه القوة تحظى بدعم ومساندة العديد من دول العالم الكبرى. والسبب بسيط، وهو أنها قوة منظمة وتكتسب الشرعية، ومطالبها منطقية وعادلة.
سادسا؛ حتى مشاريع تقسيم ليبيا وتفتيتها لن تنجح.
وفي الواقع، فكلما ارتفعت نبرة التقسيم، فإن بارومتر الإفلاس السياسي يرتفع أيضا في نظر الغالبية العظمى من الليبيين.
أي جزء من أجزاء ليبيا لا يمكنه العيش بمعزل عن الأجزاء الأخرى في جميع الأحوال. والسبيل الوحيد لكي لا يغرق البلد في حروب أهلية لا تنتهي هو وجود سلطة تمثل شعبها كله، وتعيد توظيف الموارد لخدمة الجميع على حد سواء.
سابعا؛ النموذج الذي قدمته المليشيات في طرابلس لا يصلح، بحد ذاته، للعيش.
إنه نموذج لدولة عصابات ومافيات تمارس أعمال الإرهاب والترويع ضد الليبيين كما ضد بعضها البعض، ويريد كل منها أن يملك حصة أكبر من “الكعكة”. وليبيا ليست “كعكة” لكي تتقاسمها الضباع.
والحقيقة، فإنه لولا التمويل القطري الفاضح للدور التركي في ليبيا، وهو تمويل حوّل تركيا نفسها إلى دولة مرتزقة، ما كان لأردوغان أن يوسع طموحاته الانتهازية لا في ليبيا ولا في غيرها.
استئجار تركيا لكي تقوم بدور الوكيل، يمثل إهانة حقيقية للشعب التركي ولدولته. وهو دور ترفضه المعارضة التركية، بمختلف أطيافها، لأنها ترى فيه انزلاقا في نزاعات لا جدوى منها، وتلحق الضرر بمكانة تركيا في المنطقة، وتصيب اقتصادها بالشلل، وهذا ما هو حاصل الآن بالفعل.
فبالكاد خرجت تركيا من أزمة اقتصادية خانقة بسبب سياسات التنازع الخارجية، حتى وقعت بأخرى أشد منها وطأة بسبب تفشي وباء كورونا.
سياسات التنازع هي التي تجعل تركيا الآن عاجزة عن أن تكون دولة يمكن التعاون معها أو نجدتها.
الصدام مع الولايات المتحدة، وسياسات الابتزاز ضد الاتحاد الأوروبي، والتنافس المبتذل مع روسيا، والتلويح بماض عثماني أسود، كل ذلك جعل من تركيا بلدا يزداد فقرا وعزلة وعجزا.
ومن المعروف أن سياسة “صفر مشاكل” مع الجوار والعالم كانت هي السبب الذي منح تركيا الفرصة لكي تبدو قوة اقتصادية يمكن التعويل عليها.
ولكن ما أن قلبها أردوغان إلى سياسة تنازع مع الجميع، حتى وجدت تركيا نفسها تراوح بين إفلاس اقتصادي وآخر سياسي وثالث عسكري.
والحقائق في ذلك أكثر من بيّنة. والأتراك يدركونها جيدا. ولهذا السبب فإنهم لم يمنحوا حزبه أصواتهم في إسطنبول ولا أنقرة ولا ديار بكر ولا في غيرها من مدن البلاد الكبرى.
والاقتصاد إذ يتداعى، فإن هبات الارتزاق القطرية لن تجدي نفعا. ولا احتلال قاعدة الوطية سوف يمكنه أن يرفع قيمة الليرة التركية بينما هي تتجه نحو الهاوية.
لا يعرف المرء على ماذا يرقص الضباع. ولكنهم يرقصون أحيانا حول جثة أحدهم الآخر أيضا.