كلما مرت الأيام، وكُشف عن المزيد من خبايا الاتفاق النووي، وانكشف ما كان يدور على هامش ذلك الاتفاق، أصبح من المؤكد أن ما عقده أوباما وحزبه الديمقراطي مع إيران اتفاق يتجاوز المسألة النووية بكثير.
فالتسهيلات التي منحها أوباما لإيران لا يمكن أن تكون من أجل عدم تجاوز الحد المشروع في تخصيب اليوارنيوم فحسب، أو من أجل السماح لفرق التفتيش على المنشآت النووية فحسب، بل كانت هي التي تستحق أن يطلق عليها «صفقة القرن».
ما أفصح عنه ترامب أخيراً، من قيام الإدارة السابقة بتجنيس عائلات إيرانية، ومنهم أبناء قيادات النظام الإيراني الذين يتجاوز عددهم 2500 إيراني، بما في ذلك علي فريدون، ابن حسين فريدون شقيق الرئيس حسن فريدون روحاني الذي يعمل مستشاراً خاصاً للرئيس، وكذلك فاطمة أردشير لاريجاني، ابنة رئيس البرلمان علي لاريجاني، يكشف أن الصفقة أكبر بكثير.
أضف له ما كشفته إدارة ترامب قبل عدة أشهر، من فضيحة تدخل الإدارة الأمريكية السابقة لغلق ملف التحقيقات التي تدين تجارة المخدرات الإيرانية المصدرة لأمريكا عبر «حزب الله». ففي ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، دعا وزير العدل الأمريكي، جيف سيشنز، قضاء بلاده إلى فتح تحقيق بشأن الطريقة التي تعاملت بها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما مع ملف اتجار «حزب الله» بالمخدرات.
ونشر موقع «بوليتيكو» الإخباري تقريراً يفيد بأن إدارة أوباما عرقلت تحقيقات كانت الوكالة الأمريكية لمكافحة المخدرات تجريها بشأن شبكة لتجارة المخدرات تابعة لـ”حزب الله”.
ومارس أوباما ضغوطه بسبب خشيته من أن تؤدي التحقيقات إلى «نسف الجهود التي كان يبذلها، في ذلك الحين، لحل أزمة البرنامج النووي الإيراني، التي تكللت باتفاق تاريخي بين الدول الكبرى وإيران» – «سكاي نيوز»، ديسمبر 2017.
كانت الإدارة السابقة تهيئ إيران لمرحلة قادمة تحميها من يد القانون الأمريكي، وهو إجراء يتسق تماماً مع مساعدتها على التمدد في منطقة الشرق الأوسط، التي تمثلت في غضها الطرف عن القواعد الإيرانية التي بنتها في سوريا، وتغاضيها عن تهريبها السلاح للحوثي في اليمن، وتعطيلها للحياة السياسية في لبنان، وتدخلها الكامل، بل قيادتها لكثير من فصائل الحشد الشعبي، في العراق؛ تلك «تسهيلات» أمريكية تسمح لإيران بالسيطرة التامة على منطقة الشرق الأوسط، وتلك مكاسب لا يمكن أن يقابلها مجرد موافقتها على الحد من درجات تخصيب اليوارنيوم، ومكاسبها لا تنحصر أبداً في الاتفاق النووي؛ إنها صفقة أكبر بكثير!
إنه اتفاق يتجاوز الاتفاق، إنه مشروع متكامل الأركان يهدف لجعل يد إيران هي الطولى في المنطقة.. السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي قدمته إيران، أو حتى وعدت بتقديمه، للولايات المتحدة وأقنعت به الحزب الديمقراطي؟
أوباما تجاوز صلاحياته، وتدخل في القضاء، وفي مسألة السيادة الأمريكية، وضلل الشعب الأمريكي، معللاً بأن الصفقة الإيرانية الأمريكية ستسهم في وصول المعتدلين الإيرانيين للسلطة، في حين أن أقرب المقربين له ينفون ذلك، بل يؤكدون أنه لا تقارير تبحث في وصول أو عدم وصول هؤلاء (المعتدلين).
وقد أكد ذلك «ليون بانيتا»، الرئيس السابق للمخابرات المركزية الأمريكية، فعن السياق الذي شمل الصفقة النووية، وتحليل الـ«سي.آي.إيه» للداخل الإيراني في وقتها، يقول: إن النقاش حول المعتدلين والمتطرفين داخل النظام الإيراني لم يكن له وجود حقيقي ، ويضيف: إنهم لم يَشُكّوا أبداً في سيطرة (فيلق القدس) و(الحرس الثوري) على مجريات الأمور في إيران ، وهذا ما حدث فعلاً.
لا يمكن أن يتجاوز رئيس للولايات المتحدة كل هذه الخطوط من أجل الخروج باتفاق على المسألة النووية فحسب، كما أنه لا يمكن أن يفعل ذلك رئيس لمجرد أنه لا يحب العرب، كما قال بن رودس، مستشار الأمن القومي والمؤسس للإعلام الكاذب الذي سماه «غرفة الصدى»، حيث تنشأ الحسابات الوهمية على وسائل التواصل الاجتماعي التي تكرر بيانات وتصريحات يود البيت الأبيض نشرها وتوزيعها.
ذكر رودس في مذكراته أنه حين وقّع أوباما الاتفاق النووي مع إيران، قال لمساعديه: لقد أنجزنا المهمة، فلا تذكروا اسم سوريا أمامي بعد الآن ، وحوّل بعدها لإيران 400 مليار دولار، استخدمت إيران منها 100 مليار للتمدد في العراق وسوريا.
ما الثمن السياسي الذي قبضه أوباما من إيران، وترك فيه المملكة العربية السعودية الحليف الأكبر والأقوى والأقدم له في المنطقة؟ ليس بالضرورة أن يكون الثمن مبلغاً مادياً، بل قد يكون «صفقة القرن» التي أراد أوباما أن تسجل باسمه، وامتنعت عنها السعودية، وقبلت بها إيران!