سياسة

صفقة “الرهائن الأمريكيين” بين طهران وواشنطن


في مثل هذه الأيام من 40 سنة، وتحديداً يوم 20 يناير/كانون الثاني 1981.

 انتهت أزمة الرهائن المحتجزين في السفارة الأمريكية بطهران.، بعد توتر وصدام بين الدولتين استمر لمدة 444 يوماً، كان لهذه الأيام وقع أليم على الرأي العام الأمريكي، وتصدرت أخبار الأزمة النشرات الإخبارية اليومية. وأتذكر أنني كنت في هذا العام أعمل أستاذاً زائراً في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس وقد ظهر والتر كرونكايت، أشهر مقدمي النشرات وأكثرهم تأثيراً، يومياً على قناة CBS وخلفه لوحة تشير إلى عدد أيام احتجاز الرهائن.

بدأت الأزمة في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 1979 عندما قام مجموعة من الأشخاص المتحمسين “للثورة الإيرانية” والذين سموا أنفسهم “الطلبة المسلمين أتباع خط الإمام”، باقتحام مبنى السفارة واحتجزوا 52 من العاملين بها، وأظهروهم مقيَّدين ومعصوبي الأعين أمام مراسلي الصحف ووكالات الأنباء العالمية، واستولوا على أعداد كبيرة من المراسَلات والوثائق الموجودة بالمبنى.

جاء هذا الاقتحام كرد فعل لموافقة الحكومة الأمريكية على استقبال شاه إيران للعلاج من مرض السرطان في أحد مستشفيات ولاية تكساس. كان الشاه قد أُجبر على مغادرة طهران في 16 يناير، ورفضت أمريكا والدول الأوروبية استقباله حتى لا تستعدي النظام الجديد في إيران. وعلى مدى الشهور التالية، تنقَّل الرجل بين مصر والمغرب والمكسيك وبنما، حتى اشتد عليه المرض، فوافق الرئيس كارتر على طلبه بالعلاج في أمريكا لأسباب إنسانية، وبالفعل وصل أمريكا في 22 أكتوبر/تشرين الأول. وبعدها بأقل من أسبوعين حدثت واقعة الاقتحام. وأدى ذلك إلى نشوب أزمة دبلوماسية حادة بين البلدين، لمخالفة ما حدث لكل القواعد المرعية والخاصة بمسؤولية كل دولة عن حماية مباني السفارات والقنصليات الأجنبية فيها.

كانت أهم مطالب المقتحمين، أن تقوم أمريكا بتسليم الشاه إلى السلطات الإيرانية لمحاكمته، وأن تُقدِّم اعتذارا على تدخُّلها في الشؤون الداخلية لإيران، خصوصاً تدبير وكالة المخابرات المركزية للانقلاب العسكري ضد حكومة محمد مصدق الوطنية عام 1953، والإفراج عن الحسابات البنكية والممتلكات الإيرانية التي جمدتها أمريكا بعد قيام الثورة.

وأريد أن أركز في هذا المقال على البُعد الداخلي للأزمة في إيران، وأنها كانت جزءاً من الصراع السياسي بين المعتدلين والمتشددين في صفوف النظام الجديد. ففي هذا الوقت، احتدم صراع بين التيار الديني المتشدد الذي قاده الإمام الخميني وأنصاره، والتيار المدني من قوميين وليبراليين ويساريين الذين شاركوا في الثورة وكانوا جزءاً رئيسياً منها. فاستخدم المقتحمون الأزمة كورقة ضغط على قيادات التيار المدني المعتدل. وقاموا بنشر خطابات وأوراق وبرقيات ادَّعوا حصولهم عليها من السفارة تثبت صلات المعتدلين الإيرانيين بالولايات المتحدة، لإضعاف موقفهم والتشكيك في وطنيتهم وولائهم للثورة.

استخدم التيار الديني الحادثة للضغط على أول رئيس وزراء لإيران بعد الثورة وهو مهدي بازرجان القيادي الليبرالي الذي عارض نظام الشاه، وأنشأ حركة التحرير الوطنية الإيرانية عام 1961 والذي كلَّفه الخميني برئاسة الحكومة في فبراير 1979. كانت الخلافات قد بدأت في الظهور بين بازرجان، الذي هدف إلى إقامة دولة مدنية ديمقراطية حديثة، والخميني الذي هدف إلى إقامة الجمهورية الإسلامية. وعندما أعلن الخميني مباركته لما قام به الطلاب، تقدم بازرجان وأعضاء حكومته باستقالة جماعية في اليوم التالي. وبالمثل، لقى أول رئيس جمهورية مُنتخَب في إيران نفس المصير ولأسباب مقاربة، وهو أبوالحسن بني صدر الذي تولى الرئاسة في فبراير/شباط 1980 وكان متحفظاً على ازدياد دور رجال الدين في أمور الحُكم، فتم توجيه الاتهام له بمعارضته اقتحام السفارة، ومعاداته لرجال الدين والثورة، وتم تنحيته في يونيو/حزيران 1981. وهكذا، استخدم الخميني وأنصاره أزمة احتجاز الرهائن لتصفية العناصر المدنية الليبرالية واليسارية المشاركة في الثورة من الحكم.

كان رد الفعل المباشر للرئيس كارتر قطع العلاقات الدبلوماسية وتجميد الأصول المالية الإيرانية في أمريكا. واتَّبع مساريْن للتعامل مع الأزمة: الأول دبلوماسي، وقامت عدد من الدول التي حافظت على علاقات طيبة مع إيران بالوساطة وأبرزها الجزائر. والثاني عسكري، فنفَّذ الجيش الأمريكي عملية لتحرير الرهائن حملت اسم “مخلب النسر” في أبريل/نيسان 1980 ولكنها فشلت. فعاد مرة أخرى إلى النهج الدبلوماسي الذي تكلل بالنجاح وتم الوصول إلى تسوية سياسية ومالية. ومع أن هذه الصفقة تمت في الأسابيع الأخيرة من عهد الرئيس كارتر، فقد حرصت طهران على عدم تنفيذها حتى لا يستفيد منها سياسياً. فقد كان ا

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى