متابعات إخبارية

صفقة أميركية بـ100 مليون دولار للجيش اللبناني: دعم متواصل في زمن الأزمات


أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن وزارة الخارجية وافقت على صفقة محتملة لبيع عتاد صيانة لطائرات “إيه-29 سوبر توكانو” للقوات المسلحة اللبنانية، بقيمة تصل إلى 100 مليون دولار. وتأتي هذه الخطوة في وقت حساس، وسط تصاعد التوترات الإقليمية، واشتداد الجدل الداخلي حول مصير سلاح “حزب الله”.
ووفقاً لبيان رسمي صادر عن البنتاغون، تهدف الصفقة إلى دعم قدرات القوات الجوية اللبنانية، وتندرج ضمن إطار برنامج الدعم اللوجستي الأميركي. وتشمل الصفقة معدات صيانة وقطع غيار للطائرات الهجومية الخفيفة “إيه-29 سوبر توكانو”، التي تُستخدم في عمليات الدعم الجوي والاستطلاع والتدريب. ولفت البيان إلى أن الصفقة “لن تؤثر على جاهزية القوات الأميركية”، لكنها ستسهم في “تعزيز أمن دولة شريكة تُعدّ عنصراً مهماً لاستقرار الشرق الأوسط”.
هذه المساعدة العسكرية تأتي بعد أيام قليلة من زيارة المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس باراك، إلى بيروت، والتي ركزت إلى حد كبير على ملف “نزع سلاح حزب الله”. وعلى الرغم من التصريحات الإيجابية التي أعقبت لقاءاته مع عدد من المسؤولين اللبنانيين، لم تُحقق الزيارة اختراقاً حقيقياً، إذ لم تتسلم واشنطن حتى الآن موافقة رسمية على المقترحات التي قدمها باراك في 19 يونيو/حزيران الماضي.
وتضمنت المقترحات الأميركية، وفق مصادر مطلعة، خطة لحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، لا سيما في المناطق الواقعة شمال نهر الليطاني، إضافة إلى بنود تتعلق بالإصلاحات الاقتصادية والمالية، ضبط الحدود، وتفعيل الجباية الجمركية. وفي المقابل، قدّمت بيروت ما وصفته بـ”أفكار للحل”، ستقوم واشنطن بدراستها لاحقاً، ما يترك الموقف اللبناني الرسمي في حالة غموض.
وردود “حزب الله” على المقترح الأميركي كانت متحفظة، إن لم تكن رافضة بشكل غير مباشر. فقد شدد نائب الأمين العام للحزب، الشيخ نعيم قاسم، على أن أي نقاش حول استراتيجية دفاع وطني مرهون أولاً بـ”رحيل الاحتلال الإسرائيلي عن لبنان”، في إشارة إلى استمرار سيطرة الجيش الإسرائيلي على خمس تلال لبنانية وعدد من النقاط الحدودية في الجنوب، إضافة إلى استمرار الغارات الجوية التي تستهدف مواقع للحزب.

وفي تطور لافت، كشفت تقارير إعلامية عن أن “حزب الله” أجرى مراجعة استراتيجية داخلية بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل، وأنه يدرس إمكانية تقليص دوره العسكري، بما يشمل نقل بعض الأسلحة إلى خارج مناطق التماس، لكنه لا يُظهر نية فعلية لنزع السلاح، إلا في حال انسحاب إسرائيل الكامل ووقف اعتداءاتها.
ويبدو أن واشنطن تدرك حجم التعقيد في المشهد اللبناني، لكنها في الوقت نفسه تمارس سياسة “الدعم المشروط”، فهي تواصل إمداد الجيش اللبناني بالمساعدات التقنية والعسكرية، بهدف تمكينه من أداء دور أكثر فاعلية في حفظ الأمن، خاصة في الجنوب، حيث تنتشر القوات المسلحة اللبنانية ضمن إطار تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بعد جولات عنف متكررة بين إسرائيل و”حزب الله”.

محاولات لتعزيز جهوزية الجيش اللبناني
محاولات لتعزيز جهوزية الجيش اللبناني

وتراهن الولايات المتحدة على دور الجيش في الحفاظ على الهدوء، لكنها تصطدم في الوقت نفسه بعجز الدولة اللبنانية عن اتخاذ موقف حاسم من سلاح “حزب الله”، الذي لا يزال يمثل العقدة الأهم في مسار التفاهمات السياسية.
وتعكس التطورات الأخيرة حالة التوازن الحرج التي تعيشها السلطة في بيروت. فهي من جهة، تحتاج إلى الدعم الأميركي والدولي لتثبيت الاستقرار الأمني والاقتصادي، ومن جهة أخرى، تواجه نفوذاً داخلياً كبيراً لـ”حزب الله” يمنع اتخاذ قرارات حاسمة تتعلق بنزع سلاحه أو تعديل معادلة القوة القائمة.
وبينما يؤكد المبعوث الأميركي توماس باراك أنه “راضٍ” عن الرد اللبناني على الورقة الأميركية، إلا أن غياب التزامات واضحة ضمن جدول زمني محدد يشير إلى أن التقدم لا يزال شكلياً، وأن الخلاف الجوهري بشأن سلاح الحزب لم يُحسم بعد.
وفي المجمل، تندرج صفقة طائرات “سوبر توكانو” ضمن رؤية أميركية أوسع تهدف إلى دعم بنية الجيش اللبناني كجزء من إستراتيجية احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة. لكنها أيضاً تضع بيروت أمام اختبار جدي: فالدعم لن يستمر طويلاً دون خطوات عملية تعكس استقلال القرار اللبناني، وقدرة مؤسسات الدولة على بسط سلطتها على كامل الأراضي، بما فيها الجنوب.
أما على الأرض، فالغارات الإسرائيلية مستمرة، والانسحاب من التلال المحتلة لم يتحقق، وسلاح “حزب الله” لا يزال راسخاً، وإن تغيرت طبيعته أو أماكن تمركزه. وفي ظل هذا الواقع، تبدو واشنطن مستمرة في دعم لبنان… ولكن على طريقتها.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى