شهيد الإمارات.. فخر الوطن
ستبقى تضحيات شهداء الإمارات خالدة في سجل البطولات والشرف، ومنارات مضيئة تستلهم منها الأجيال القادمة معاني التضحية والفداء للوطن وقيادته الحكيمة.
استثنائي هو يوم الثلاثين من نوفمبر من كل عام، فهو يوم الشهيد الإماراتي، فخر البلاد وعزها، فعزة الأمم وحضارتها لا تُبنى إلا بالتضحيات العظيمة. وشهداء الإمارات لمن يتتبع سيرتهم ومسيرتهم يعي أن القيمة الإنسانية والمُثل العليا كانت ركيزة حياتهم، وعنوان مشروعهم الحضاري. لقد كانوا وسيظلون فخر الوطن، ونجوم الليل بأيديهم اقتدينا فاهتدينا، وعلامات مضيئة ترشد من ضل الطريق.
إن قيم الفداء والشهادة والتفاني من أجل بناء الأوطان، هي أحد موروثات دولة الإمارات العربية المتحدة منذ عهد مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه. يجسد جموع الإماراتيين هذا الموروث ويحرصون على تجديده وإحيائه في مثل هذا اليوم من كل عام.. يوم الشهيد. وفي مقدمتهم صاحب السموّ الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله الـذي يحرص على تكريم ذكرى شهدائنا في مثل هذا اليوم، وذلك في سياق التعبير عن العرفان والتقدير لما بذله شهداء الإمارات من تضحية من أجل وطنهم وأهلهم، فاستحقوا أن يكونوا فخر الوطن. لذا فإن سموه في كلمته التي وجهها عبر مجلة “درع الوطن”، بهذه المناسبة أكد على أن ” دماء شهدائنا ستظل أوسمة فخر تزدان بها صدورنا وصدور أبنائنا وأحفادنا، ومنارات تضيء الطريق ونحن نشارك في صنع الخمسين سنة المقبلة من مسيرة دولتنا الاتحادية، وسيظل أبناؤهم وذووهم أمانة في أعناقنا، يتعهدهم الوطن بالتقدير والحب، وتتولاهم الدولة بالعناية والرعاية”.
لقد قدم شهداء الإمارات، وأولهم الشرطي سالم بن سهيل خميس الذي استشهد أثناء دفاعه عن جزيرة طنب الكبرى في سبعينيات القرن الماضي ضد العدوان الإيراني، أروع الأمثلة في أرقى المعاني الوطنية، فقد شتلوا مبكرا بذور السلام وسبقوا أقرانهم وجوارهم فى إرساء دعائم العدل و المحبة والوئام، وقدموا نموذجاً للقيادة الرشيدة والملهمة، وبرحيلهم لم ينطفئ قنديل الوعي الـذي أشعلوه بتضحياتهم، لأننا لم نحد قيد أنملة عن وصاياهم، وقيمهم ومبادئهم ومثلهم.
إن يوم الثلاثين من نوفمبر من كل عام أصبح جزءاً راسخاً في الثقافة الشعبية والوعي الجمعي الإماراتي، كونه جاء تعبيراً عن مسيرة مشرفة في تاريخ الإمارات، التي تتباهي وتفتخر بأبنائها الذين استشهدوا نصرة للحق والعدل، ودفاعاً عن سيادة واستقرار الدولة الوطنية في مواجهة جماعات التشدد، وتيارات الإرهاب وحماية حدودها من قوى الشر الراغبة في زعزعة استقرارها و الطامعة في مقدرات شعبها، ناهيك عن جانب إنساني مشرق كشفت عنه جهود الإغاثة ومد يد العون التي قدمها أبطال الإمارات وشهداؤها في مختلف الأمكنة من دون النظر لاعتبارات عقائدية أو عرقية، انطلاقاً من تعاليم الإسلام السمحة، ومن قيم وتقاليد الإمارات الراسخة، فسطروا بدمائهم الطاهرة كل معاني الشجاعة والعطاء والعزة.
وهنا يذكرنا سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بأن فناء الجسد قد يصاحبه ولادة قيم عظيمة لا تموت. مجسدا تلك الحكمة في مقولته بهذه المناسبة “لقد رحل الشهداء بأجسادهم لكنهم تحولوا إلى قيم ومعاني خالدة لا تموت أبداً .. ونحن نستعد لدخول الخمسين سنة المقبلة من عمر وطننا الغالي، نستحضر هذه القيم والمعاني التي يجسدها الشهداء .. نستلهم منها العزم والقوة للتغلب على المصاعب والتحديات، ونستمد الزاد لرحلتنا نحو تحقيق طموحاتنا وتطلعاتنا في مختلف المجالات”. مؤكدا أن دولة الإمارات العربية المتحدة ستظل على الدوام، رمزاً للعمل من أجل التنمية والسلام في المنطقة والعالم، وعنصر استقرار إقليمي، بسياساتها المتزنة، ومواقفها الثابتة التي تفتح أبواب الأمل في غد أفضل لكل شعوب المنطقة والعالم.
إن يوم الثلاثين من نوفمبر، مناسبة تحتفل فيها دولتنا الفتية كل عام بذكرى شهدائها الأبرار، تُفتح فيه خزائن سير الشهداء التي نستلهم منها معاني العزة والتضحية، فقد صنعت “مدرسة زايد الخير” التي هي عنوان للحكمة والقيادة، رجالاً كانوا استثناء في الزمان والمكان، حيث تربوا وتعلموا، ونهلوا من قيم الآباء المؤسسين للدولة وحكمائها، الذين حملوا في قلوبهم وعلى أعناقهم رفعة شأن الوطن بين الأمم، وصيانة أمن الوطن واستقراره، لتصل سفينته سالمة غانمة رغم كثرة الأمواج المتلاطمة إلى بر الأمان.
وما شهداؤنا الذين ملأوا الأرض بتراتيل السلام، وأناشيد المحبة إلا ثمرة في بساتين الإمارات التي لا تطرح إلا الخير، وما هم إلا أبطال ولدوا في مدارس القيادة والبطولة، واستشهدوا في ميادين الدفاع عن الحق والعدل لتبقى مصابيحها سراجاً منيراً للحالمين بعزة الأوطان.
في هذا السياق لم يكن غريباً حكمة القيادة الإماراتية الراهنة في تخليد ذكرى الشهداء في تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، وانطلاقاً من التقدير والإجلال لشهدائنا سواء المدنيين، أو من صفوف القوات المسلحة بأفرعها المختلفة منذ تأسيسها في 6 مايو 1976، وهنا نستذكر على سبيل المثال ما قامت وتقوم به وزارة الداخلية من جهود لتعزيز حالة السلم وحماية مقدرات الوطن ومواطنيه، كما عملت الدولة على تنفيذ استراتيجية متكاملة لدعم وتلبية متطلبات توفير الحياة الكريمة لأسر الشهداء تضمنت 4 محاور أساسية، شملت رعاية أسر الشهداء من خلال الإسكان المناسب، وتعزيز الخدمات المقدمة لأبناء الشهداء في قطاع التعليم، ومتابعة تحصيلهم العلمي، إضافة إلى توفير كافة أوجه الرعاية الصحة، والتي حرصت الدولة على تعزيزها بصورة أكبر مع تمدد جائحة “كوفيد – 19”. كما حرصت القيادة الحكيمة على تأسيس منظومة متكاملة من مبادرات الدعم الاجتماعي ومبادرات تنمية المهارات الحياتية والعلمية والثقافية والرياضية لأسر الشهداء.