منذ وصوله للبيت الأبيض ظلت شعبية بايدن أعلى من 50 بالمئة في الشهور الخمسة الأولى من رئاسته، لكنها بدأت في الهبوط في منتصف أغسطس، عقب ارتفاع أعداد الوفيات الناجمة عن الإصابة بكوفيد-19 في أنحاء البلاد وسقوط الحكومة الأفغانية التي تدعمها الولايات المتحدة.
بداية يجمع المراقبون هنا في واشنطن ان الرئيس جو بايدن يواجه تراجعاً كبيراً في شعبيته داخل البلاد، على خلفية تعامل إدارته مع ملفات عديدة، وقد لاحظ كثير من الصحفيين كيف تصاعدت الانتقادات من الحزبين لأسابيع بسبب تعامل الإدارة مع الانسحاب الأميركي المضطرب من أفغانستان، ومع ارتفاع عدد حالات “كوفيد 19” الجديدة بسبب انتشار متحور “دلتا”، إضافة إلى تأثيرات وخسائر إعصار “إيدا”، الذي ضرب ولايات الجنوب والجنوب الشرقي للولايات المتحدة.
مراكز عديدة الى جانب الصحافة الأميركية قامت وفي تناسق غريب باستطلاعات للرأي اتفقت جميعها على أن شعبية بايدن والتي كانت بين 50 بالمئة إلى 59 بالمئة في بداية توليه منصبه في يناير الماضي، بدأت في الانخفاض منذ أن هيمنت الأزمة في أفغانستان على التغطية الإعلامية ووفقاً لاستطلاع أجراه مركز “ريل كلير بوليتيكس” تتراوح شعبية بايدن بين 45 بالمئة إلى 49 بالمئة.
كما أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز “فايف ثيرتي آيت” أن شعبية الرئيس تتراوح بين 46 بالمئة و48 بالمئة، بينما أشار استطلاع لمركز “ماريست الوطني” إلى أن نسبة بايدن تتراوح بين 43 بالمئة و51 في المائة…كما وأظهر استطلاع الرأي الذي أجرته “رويترز/إبسوس” على مستوى البلاد يومي 19 و20 يناير، أن 43 بالمئة من الأميركيين يؤيدون أسلوب بايدن، بينما يرفضه 52 بالمئة.
أما إذا انتقلنا إلى الصحافة فقد قال 44 بالمئة من الأميركيين، الذين تم استجوابهم في استطلاع أجرته صحيفة “واشنطن بوست” وقناة “آيه بي سي نيوز” الإخبارية، إنهم يؤيدون الأداء.
هنا في واشنطن يعزو بعض النواب الذين التقيتهم في الكونغرس تراجع شعبية بايدن إلى عاملين رئيسيين، يتمثل الأول في شعور الشعب الأميركي بالإنهاك من طول أزمة كوفيد 19 وتداعياتها من وفيات.
ويكمن الثاني في الحقيقة التي تزداد رسوخاً على نحو تدريجي في المشهد السياسي الأميركي، وهو الالتزام الحزبي المُفرط، فلن ينجح أي رئيس أميركي حالي بأي حال من الأحوال في استقطاب دعم يفوق 10 – 20 بالمئة على أدنى تقدير من أعضاء الحزب المُعارض لحزبه.
هناك عوامل عدة وراء التراجع الكبير في شعبية بايدن بعد عام واحد من توليه السلطة، فالقيود المفروضة كما أوضحت سابقا بسبب فيروس كورونا لم يتم تخفيفها إلا ببطء شديد.
والفيروس يسرح مرة أخرى خارج نطاق السيطرة، بسبب متحور أوميكرون شديد العدوى.
واليوم يوجد عدد قياسي من الأميركيين في المستشفيات، أكثر حتى ممن كانوا في المستشفيات في ذروة الجائحة في 2020 و2021.
ومع استمرار المعاناة من الجائحة، يواجه الاقتصاد الأميركي تحديات كبيرة. فنسبة التضخم اليوم هي الأعلى منذ 40 عاماً، كما وأن مشكلات سلاسل الإمدادات عطلت النمو الصناعي، وأدى ارتفاع الأسعار إلى زيادة معاناة المواطن الأميركي إضافة إلى تلاشي تأثير خطة الإنقاذ الاقتصادي البالغة قيمتها 1.9 تريليون دولار، لمساعدة الأميركيين على مواجهة تداعيات كورونا.
أما داخل أروقة الكونغرس ومجلس الشيوخ فإن الرئيس بايدن على وشك خسارة معركتين كبيرتين من اختياره فمن النادر أن يكون رئيس على خلاف مع الجمهوريين والديمقراطيين المعتدلين والديمقراطيين الليبراليين في الوقت نفسه”، بشأن رفض المحكمة العليا لخطة الإدارة بإلزامية التلقيح لموظفي الشركات الكبرى، بحسب ما ذكره موقع “آكسيوس”، في الـ14 من يناير 2022.
وتبقى الحالة الصحية والقدرة الذهنية للرئيس بايدن واللتان تعانيان من مظاهر الإعياء سببا رئيسيا في انخفاض شعبيته يوما بعد يوم وهو الأكبر سناً من كل من سبقه من رؤساء؛ فقد تعثر وسقط ثلاث مرات متتالية عند صعوده سلّم الطائرة الرئاسية.
إلى جانب ما تناولته صحيفة “نيويورك بوست”، في ديسمبر 2021، تحت عنوان “قصص بايدن المختلَقة”، تشير فيها إلى “تغييره لتفاصيل وشخوص سردياته بصورة تدعو إلى القلق”، خصوصاً زعمه لعب دور الوسيط بين “غولدا مائير والحكومة المصرية” خلال عدوان عام 1967، إذ كان طالباً في سنته الأخيرة في كلية الحقوق في تلك الأثناء. كما أشارت إلى “حالة النعاس” التي بدت عليه خلال لقائه في البيت الأبيض مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، كدليل آخر على تردّي حالته الصحية والذهنية.
أما على المستوى الخارجي، فتواجه إدارة بايدن لحظة الحقيقة، فيما يتعلق بالتمدد الروسي في المحيط الإقليمي. وتبدو أوكرانيا على شفا مواجهة عسكرية مع موسكو، وهو ما قد يختبر كل قدرات بايدن الدبلوماسية.
شعبية بايدن أصبح يهزها عوامل تزداد يوما بعد يوم بل بدأت تقارير في الإعلام تتحدث عن أن بعض الديمقراطيين بدأوا يفكرون في الخليفة المحتمل لبايدن، لتمثيل الحزب في انتخابات الرئاسة عام 2024، لا سيما إذا ترشح ترامب عن الجمهوريين، وهذا احتمال وارد بل ومرجح كما وأن صحيفة المال والأعمال “وول ستريت جورنال” هبت للترويج العلني لعودة هيلاري كلينتون إلى السباق الرئاسي، في 2024، منوّهة بشدة بـ”خبرتها الطويلة كزعيمة وطنية، وهي أصغر من الرئيس بايدن وباستطاعتها طرح مسار وخيارات مختلفة عمّا نراه راهناً من الفوضى القيادية وتدنّي مستوى الأداء الذي يواجهه الحزب”.
ومهما يكن من أمر فإنه وبمجرد هدوء العاصفة الأوكرانية والتي قد لا تهدأ فإن شعبية بايدن ستعود لأن تكون محور حديث الصحافة الأميركية دون منازع.