هناك تحولات سورية… وأيضاً متغيرات كثيرة البعض يصفها بأنها خطيرة وأنها قد أثارت أسئلة متعددة لدى أبناء الشعب السوري أكثر كثيراً من غيرهم، والبعض يقول إنّ هذه مسائل عادية وإنّ هذا البلد الذي يعتبر حلقة رئيسية في سلسلة الأمة العربية قد بقيت أموره غير مستقرة وإن ما شهده من الانقلابات العسكرية والتحولات المتلاحقة لم تشهده أي دولة عربية لا في الشرق العربي وأيضاً ولا في الغرب.
وحيث إنّ هناك من يعيد هذا كله إلى أن موقع هذا البلد العظيم: «القطر العربي السوري»، حسب «الرفاق» البعثيين، أي قادة وأعضاء حزب البعث… إلى أنّ هذا يعود إلى أنّ دمشق قد بقيت تشكل ليس حلقة لا بل الحلقة الرئيسية في السلسلة العربية، وهذا قد كان مبكراً جداً بالطبع وفي العهدين الأموي والعباسي وأيضاً في العهد العثماني… وفي الفترة الاستعمارية واستمراراً وحتى الآن… وإلى يوم يبعثون كما يقال!!
وإنّ هذا كله قد جعل ودائماً وأبداً عيون العرب القريبين والبعيدين مسلطة على العاصمة الأموية… عاصمة العروبة في مراحل التاريخ كلها، وحيث إنّ بغداد الرشيد على أهميتها ومكانتها، وهذا إنْ سابقاً وإنْ لاحقاً وحتى الآن، كانت ولا تزال تُعتبر الشقيقة التي تشكل مركز الأمة العربية التي كان قد أنبت هذا الشعار التاريخي الجميل والعظيم: «أمة عربية واحدة… ذات رسالة خالدة».
إنّ هذا الكلام يجب أنْ يقال وإنه كان قد قيل في كل المراحل العربية البعيدة والقريبة، وبالطبع فإنّ هناك مثابات وعواصم عربية كانت ولا تزال لها مكانتها المهمة جداً كالقاهرة عاصمة المعز لدين الله، وأيضاً كبغداد الرشيد وكالمدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأيضاً كمراكش والدار البيضاء وبيروت وكل ما تبقى من العواصم العربية، وهذا إنْ في الشرق وإنْ في الغرب وإنْ في كل مكان.
وهكذا فإنّ هذه المقدمة تأخذنا إلى أنّ هذا «التقسيم» المرعب الذي باتت تتعرض له سوريا لا بد من أنْ يثير أسئلة متعددة وكثيرة ليس عند أبناء الشعب السوري وفقط لا بل عند أبناء الأمة العربية كلها. فدمشق، كما قلنا وكما أن المفترض أنْ العرب كلهم يقولونه، وهم بالطبع يقولونه، عاصمة الأمويين التاريخية هذه هي عاصمة العرب وهذا ومع التقدير والاحترام للعواصم العربية كلها ومن المحيط إلى الخليج!!
لقد طرأت في الفترة الأخيرة تحولات خطيرة جداً على سوريا والوضع السوري، وحيث إنّ هذه التطورات قد بدأت بإلحاق إسرائيل، دولة العدو الصهيوني، «لهضبة الجولان» السورية إليها ومن مشارف دمشق في الشرق وحتى عمق بحيرة طبريا التاريخية في الغرب… فإن يتم نقل «الجغرافيا» السياسية السورية من بلاد الشام، التي عاصمتها دمشق الفيحاء تاريخياً، وعلى مدى تلاحق العصور، إلى حلب الشهباء فإنّ هذه مسألة غير عادية وإنها لم تتم سابقاً وعلى مدى حقب التاريخ البعيد والقريب… وهذا يعنى أنّ هناك تحولات خطيرة مرتقبة قد تتجاوز البلاد الشامية والقطر العربي السوري كله إلى بعض الأقطار العربية… لا سمح الله جلّ شأنه ولا قدر!!
وهنا فإن السؤال الذي يجب أن يُطْرح ومن قبل العرب كلهم والعواصم العربية بأسرها هو: لماذا يا ترى قد جرى هذا الذي جرى كله… وهل يتم تغيير خريطة سوريا: «القطر العربي السوري» يا ترى إلى خريطة جديدة وإحلال حلب «الشهباء» محل دمشق الفيحاء… وحيث إنّ هذا قد أثار أسئلة وتساؤلات كثيرة وعلى أساس أنه لا بد أن تكون هناك مؤامرة، نعم «مؤامرة»، لتمزيق العالم العربي كله ما دام أنّه قد تم تمزيق هذا البلد وعلى هذا النحو… وتغيير خريطته التاريخية التي بقيت خريطة له في العهود السابقة واللاحقة كلها وحتى في العهد العثماني وأيضاً وفي العهود الاستعمارية؟!
والغريب لا بل والمستغرب أنّ هذا كله يجري ولم تصدر حتى ولو «نحنحة» خافتة من قبل الدول العربية التي من المفترض أنها معنية… وحيث إنه قد تم التناسي من قبل بعض الذين من المفترض أنهم مسؤولون ومعنيون بتلك المقولة العربية الخالدة القائلة: «أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض»!!
ثم وإن ما يزيد الطين بلة، كما يقال، هو أنّ هؤلاء الذين بعد ما سمي «الثورة الخمينية» ولاحقاً «الخامنائية» قد اندفعوا خفافاً وثقالاً لاجتياح عدد من الدول العربية… والتحرك غرباً إلى البحر الأحمر وصولاً إلى باب المندب وبحر العرب وبعض الجهات المطلة على الخليج العربي، الذي هو والحمد والشكر لله لا يزال عربياً رغم كل هذه التطلعات والاختراقات الإيرانية… وهنا فإن المقصود هو «نظام الملالي» وليس الشعب الإيراني الشقيق الذي تربط العرب به بالإضافة إلى الإسلام العظيم علاقات تاريخية متينة ودائمة.
وحقيقة إننا عندما نقول هذا الكلام، الذي قد يرعب ويخيف بعض العرب، هو أنّ ما بات عليه هذا الواقع وبصورة عامة وليس بصورة حصرية، هو أنّ القادم قد يكون أعظم ما لم يلملم العرب شملهم المبعثر… ومع التأكيد على أنّ هناك دولاً عربية طليعية تشكل ما يقال إنّ «العين تقاوم المخرز» وإنّ هناك عرباً نومهم كنوم الذئب الذي ينام بعين «مغمغمة» وعين مفتحة.
ولذلك وفي النهاية، ولا نهاية هنا إطلاقاً، فإنّ هناك أملاً واعداً بالفعل في كل ما تقوم به العديد من الدول العربية «المبادرة» دائماً وأبداً، وحيث إنّ هناك تصدياً فعلياً لكل هذه التحديات، وحيث إنه بإمكان العين بالفعل مقاومة المخرز… وهكذا فإن من يشك في هذا عليه مراجعة التاريخ العربي الطويل وعلى مدى تلاحق كل هذه المراحل السابقة.