روايات عن جحيم غزة.. التفاصيل
في قلب غزة، تعيش الأسر في ظروف قاسية، تكاد تكون غير محتملة، كما وصفتها موظفة الأمم المتحدة ياسمينة غيردا. “بالكاد على قيد الحياة، إنهم يتمسكون بخيط هش”، بهذه الكلمات المؤثرة نقلت “غيردا” تفاصيل المعاناة اليومية التي يواجهها سكان القطاع المحاصر. تكشف شهادتها عن حجم المأساة الإنسانية المستمرة، والتي تحتاج إلى تدخل عاجل من المجتمع الدولي.
شهادات من الميدان
قضت “غيردا”، الموظفة الإسبانية في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، ثلاثة أشهر في غزة، حيث شاهدت بعينيها الأطفال الذين فقدوا أطرافهم والأسر التي اضطرت للفرار من منازلها تحت وطأة القصف المستمر. قدمت شهادتها أمام صحفيين في جنيف، مسلطة الضوء على الظروف القاسية التي يعاني منها المدنيون في غزة.
أحد أكثر المشاهد تأثيرًا كان عندما تحدثت عن الأطفال في مستشفى، الذين فقدوا أطرافهم جراء القصف. “ذكّرني العديد منهم بطفليّ الصغيرين. كانوا يحدّقون في الفراغ، تحت تأثير صدمة شديدة تحول دون إصدارهم صوتا أو دمعة”، قالت غيردا.
هذه الصور القاسية تظل محفورة في ذاكرة غيردا، وتعكس حجم المعاناة التي يعيشها الأطفال الأبرياء في ظل النزاع المستمر.
الواقع اليومي للمواطنين
تحدثت غيردا عن الحياة اليومية في غزة، حيث يستمر القصف والهجمات البرية الإسرائيلية، ووصفت كيف يُمنح السكان دقائق قليلة فقط لإخلاء منازلهم قبل أن تُقصف.
تقول الموظفة الأممية: “أمامك ما بين 10 إلى 15 دقيقة لإخلاء المبنى، حيث تقطن لأنه سيُقصف، أطفالك الصغار نائمون.. توقظهم، تلقي نظرة أخيرة على غرفتك وتقول وداعًا إلى الأبد، لأنك تعلم أنها ستتحوّل إلى غبار”، مضيفة: في كثير من الأحيان، لا يأتي التحذير أبدًا.
الأوضاع في غزة لا تقتصر على القصف فقط، بل تشمل أيضًا الظروف المعيشية القاسية التي يواجهها السكان. “ما لديهم.. هي ظروف للبقاء على قيد الحياة، وبالكاد. إنهم يتمسّكون بخيط”، أوضحت غيردا.
يعاني السكان من نقص حاد في المياه النظيفة والطعام والأدوية، وكل يوم يمثل صراعًا جديدًا من أجل البقاء. الوضع في غزة بات إنسانيًا كارثيًا، حيث تشير التقارير إلى تحذيرات متكررة من الأمم المتحدة من خطر حدوث مجاعة.
الأطفال الضحايا
التقت غيردا أشخاصًا دُمّرت منازلهم جراء عملية إسرائيلية في مخيم النصيرات للاجئين، والتي أفضت إلى إطلاق سراح أربعة رهائن في وقت سابق من هذا الشهر. قالت وزارة الصحة في غزة: إن 274 فلسطينيًا على الأقل قتلوا خلال هذه العملية وأصيب 698 آخرين بجروح.
غداة العملية، التقت غيردا في مستشفى أطفالا فقدوا أطرافهم جراء الهجوم. الأطفال هناك يحدقون في الفراغ، تحت تأثير صدمة شديدة تحول دون إصدارهم صوتا أو دمعة. هذه المشاهد تعكس حجم المأساة التي يعيشها الأطفال في غزة، والذين يعتبرون الضحية الأولى للنزاع المستمر.
الصعوبات التي تواجهها المنظمات الإنسانية
تتعرض المنظمات الإنسانية لصعوبات جمة في تقديم المساعدات إلى المحتاجين في غزة. من بين هذه الصعوبات القيود الإدارية، وسوء خدمة الاتصالات، وحالة الطرق المتدهورة، والنقص الحاد في الوقود، وخطر التعرض للنهب بسبب انهيار الأمن. منذ بدء الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح الجنوبية، والذي أدى إلى نزوح حوالي مليون شخص، أصبح من الصعب للغاية إيصال المساعدات إلى المناطق المتضررة.
تحدثت غيردا عن صعوبة إيصال المساعدات إلى المحتاجين أثناء الحرب الدائرة، مشيرة إلى أنّ أعمال العنف أسفرت عن مقتل أكثر من 200 عامل في مجال الإغاثة منذ بدء الحرب. هذا العدد الكبير من الضحايا بين عمال الإغاثة يعكس حجم المخاطر التي تواجهها المنظمات الإنسانية أثناء محاولتها تقديم الدعم للمحتاجين في غزة.
الأمل والصمود
على الرغم من كل هذه المعاناة، أبدت غيردا دهشتها من قدرة سكان غزة على الصمود. “الأمل ما زال ينبض بقوة” في غزة، قالت غيردا، مشيرة إلى أن الناس يحتاجون إلى “فترة راحة” بعد كل هذه الصعوبات. شددت على ضرورة أن يتخذ صنّاع القرار خطوات حاسمة لإنهاء هذه المأساة المستمرة، معتبرة أن “الناس في غزة يحتاجون إلى مبادرة حاسمة تضع حدًا للطريقة القاسية التي يتم بها إسقاطهم بعد كل محاولة للنهوض”.
قدرة الناس على الصمود في غزة تعكس الروح الإنسانية القوية التي ترفض الاستسلام رغم الظروف القاسية. هذه الروح هي ما يعطي الأمل بأن هناك نهاية ممكنة لهذه المعاناة، وأن السلام والعدل يمكن أن يسودا في يوم من الأيام.
وتظل غزة، بشعبها الذي يكافح من أجل البقاء، رمزًا للصمود والأمل وسط ظروف قاسية وحرب لا تتوقف. نقلت غيردا صورة مؤثرة عن الحياة في غزة، داعية المجتمع الدولي إلى التحرك لإنهاء المعاناة الإنسانية التي لا تنتهي. شهادتها تبرز الحاجة الملحة إلى تدخل إنساني عاجل وإيجاد حل دائم يضمن العيش الكريم والسلام لسكان غزة.