سياسة

تقليص إيران لإمدادات الغاز للعراق: ضغط سياسي أم أزمة طاقة؟


 يثير تقليص ايران المفاجئ لامدادات الغاز للعراق خلافا للعقد المبرم بين الطرفين، الكثير من الأسئلة في غمرة التوترات التي تشهدها المنطقة والتي تحولت فيها الميليشيات العراقية الموالية لطهران إلى مصدر تهديد قد يعرض البلاد إلى استهدافات إسرائيلية.

وتقليص امدادات الغاز الحيوية لتوليد الطاقة الكهربائية قد يشعل الجبهة الاجتماعية العراقية في ظل شواهد سابقة وعلى ضوء الاحتقان الكامن من فترات طويلة بسبب أزمة الكهرباء، بينما تكابد حكومة محمد شياع السوداني في مواجهة أزمات مستعصية يعاني منها العراق منذ العام 2003، بينما قد تكون السلطات الايرانية تحاول الضغط على الشريك العراقي لدفع مستحقات مالية غير مسددة.

وفي العادة يصل الطرفان في ذروة خلافات غير معلنة بشكل رسمي وصريح، إلى تفاهمات تعيد ضخ الغاز الايراني للعراق بالكمية المطلوبة، لكن المتابعين لتطورات هذا الملف يذهبون غالبا إلى أن طهران تضغط بورقة الغاز لانتزاع مكاسب لها أو لوكلائها العراقيين.

وأفاد مسؤول حكومي عراقي أن قرار تقليص إمدادات الغاز الإيراني جرى بشكل مفاجئ و”أحادي الجانب” ومخالف للعقد المبرم بين البلدين، مشيرا إلى أن وزارة الكهرباء تحتفظ بكامل حقوقها التعاقدية، وطالبت الجانب الإيراني بـ”الالتزام الفوري” بتلك البنود، غير أن هذه المطالب تفتقد للضغط الحكومي لحث إيران على الوفاء بتعاقدها مع العراق.

وقال المسؤول في تصريحات لوكالة شفق نيوز المحلية، إن “وزارة الكهرباء وعلى الرغم من مسعاها المتواصل للنهوض بقطاع الطاقة الكهربائية وتنويع مصادره، إلا أن المنظومة الوطنية تتعرض خلال موجة البرد الحالية، إلى تحديات خارجة عن إرادتها، نتيجة إجراءات أحادية من الجانب الإيراني”.

وواجه العراق أزمات كبيرة بتوفير الطاقة الكهربائية، بسبب عدم التزام الجانب الإيراني بتصدير كميات الغاز المتعاقد عليها مع العراق لتشغيل محطاته الكهربائية، إذ جرى قطع كميات الغاز أو تقليل كمياتها المصدرة للعراق مرات عدة في الصيف الماضي، ما أحرج الحكومة العراقية بتوفير الطاقة، وتسبب بموجة تظاهرات وغضب شعبي في عدد من المحافظات.

وأضاف أن “الجانب الإيراني قام مؤخراً بتخفيض إمدادات الغاز المشغل للمحطات الغازية من25 مليون متر مكعب يومياً إلى 6 ملايين متر مكعب فقط، رغم أن العقد المبرم بين الطرفين يلزم وزارة الطاقة الايرانية بتوريد 50 مليون متر مكعب يومياً إلى العراق في فترات الذروة الشتوية والصيفية، ولمدة خمس سنوات، لكن هذا الإجراء المفاجئ أدى إلى فقدان ما يقارب 6000 ميغاواط من الشبكة الوطنية”.

العراق يستورد الكهرباء والغاز من إيران بما يتراوح بين ثلث و40 بالمئة من احتياجاته من الطاقة

وأعلنت وزارة الكهرباء العراقية، الأسبوع الماضي عن فقدان 5500 ميغاواط نتيجة توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل، مؤكدة أنها سترفع تنسيقها مع وزارة النفط لتعويض ما خسرته المنظومة من الغاز. ويعتمد العراق على الغاز الإيراني لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية.
والعام الماضي، أكد وزير النفط الإيراني جواد أوجي تمديد صادرات غاز بلاده إلى العراق لخمس سنوات مقبلة، بعد أن تأخر وصول الغاز أكثر من شهرين، بسبب “صيانة أنابيب نقل الغاز”، ما أدى إلى تقليص صادرات إيران من الغاز إلى العراق.

وأشار المسؤول الحكومي إلى أن وزارة الكهرباء، إذ تحتفظ بكامل حقوقها التعاقدية، تؤكد أنها تواصل اتصالاتها المكثفة مع الجانب الإيراني وتطالبه بالالتزام الفوري ببنود العقد المبرم وضمان إيصال الكميات المتعاقد عليها لضمان تشغيل المحطات الكهربائية وتوفير ساعات تجهيز موثوقة للمواطنين”.

ولفت إلى أن “وزارة الكهرباء اتخذت إجراءاتها العاجلة التي تضمنت التنسيق العالي مع وزارة النفط لضخ كميات إضافية من الوقود البديل، والإسراع في إنجاز مشاريع استثمار الغاز الوطني وتفعيل خطط الطوارئ للحفاظ على استقرار المنظومة الكهربائية”.

وما يزال العراق منذ تسعينيات القرن الماضي يعتمد نظام القطع المبرمج للطاقة الكهربائية جراء تدني مستويات إنتاج الطاقة الكهربائية ويعتمد الأهالي على المولدات الأهلية لسد النقص.

ولسد هذا الفراغ يستورد العراق الكهرباء والغاز من إيران بما يتراوح بين ثلث و40 بالمئة من احتياجاته من الطاقة، لكنه يواجه صعوبة في سداد ثمن تلك الواردات بسبب العقوبات الأميركية التي تسمح لإيران فقط بالحصول على الأموال لشراء السلع غير الخاضعة للعقوبات؛ مثل الغذاء والدواء.

وبموازاة ذلك تعول بغداد على مشاريع الربط الكهربائي مع دول الجوار من أجل تأمين إمدادات مستقرة من الطاقة دون الحاجة للوقود لتشغيل المحطات، في ظل عدم استقرار إمدادات الغاز الإيرانية والتي تسببت مؤخراً بفقدان بغداد أكثر من 4 آلاف ميغاواط بسبب شح الغاز وتوقف خطوط الربط مع إيران.

وتضغط الولايات المتحدة على العراق -ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك- لخفض اعتماده على الغاز الإيراني.

ولإيجاد خط بديل أعلن العراق في أغسطس/آب 2023 عن توقيع اتفاق مبدئي مع تركمانستان لاستيراد الغاز منها لتلبية جزء من احتياجات محطات الطاقة الكهربية في البلاد.

وذكرت مصادر مطلعة أن إيران تزداد معاناتها من نقص الغاز بسبب زيادة الاستهلاك، الذي تحفزه إضافة 8 آلاف ميغاواط من محطات الكهرباء الحرارية الجديدة وارتفاع استخدام الغاز في المنازل. وفي الوقت ذاته، تباطأ نمو إنتاج الغاز في السنوات الثلاث الماضية ليصل إلى ثلث المعدل الذي كان عليه في العقد الماضي.

نتيجة لذلك، تعاني البلاد من نقص مزمن في الكهرباء، وانقطاع الكهرباء المتكرر، وخسائر كبيرة في الإنتاج الصناعي، مما يزيد من تعقيد الصعوبات التي تواجهها إيران تحت وطأة العقوبات الأميركية. وبقي التضخم فوق 40 في المائة لمدة خمس سنوات، وتراجعت قيمة العملة الوطنية إلى النصف خلال عامين، ويعيش الآن ما لا يقل عن 30 مليون شخص تحت خط الفقر.

ويعد حقل جنوب بارس للغاز، الذي يشكل 75 في المائة من إنتاج إيران، في مرحلة تراجع من دورة حياته ويعاني من انخفاض في الإنتاج. وبسبب العقوبات، لا تستطيع إيران جذب الشركات الغربية لتركيب منصات إنتاج كبيرة مزودة بالضواغط، مما يجبرها على قبول مستويات إنتاج أقل.

وتمتلك إيران ثاني أكبر احتياطات للغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا، وهي ثالث أكبر منتج للغاز، بعد الولايات المتحدة وروسيا. ووفقًا لإحصائيات “BP”، ارتفع إنتاج الغاز في إيران من حوالي 157 مليار متر مكعب في عام 2010 إلى 252 مليار متر مكعب في العام الماضي، لكن معدل النمو تباطأ. كما تعاني إيران من خسارة سنوية تبلغ 28 مليار متر مكعب من الغاز أثناء مراحل الإنتاج والتوزيع، وهي خسارة لا تُدرج في الأرقام المذكورة.

وقد وصل استهلاك الغاز اليومي في إيران في فصل الخريف إلى 820 مليون متر مكعب، حيث تشكل القطاعات السكنية والتجارية والصناعية الصغيرة حوالي 440 مليون متر مكعب يوميًا. ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى 650 مليون متر مكعب يوميًا خلال ذروة الطلب في أشهر الشتاء.

وحتى مع مستويات الاستهلاك الحالية، تواجه إيران عجزًا في الغاز يصل إلى 90 مليون متر مكعب يوميًا.

ومن المتوقع أن يصل هذا العجز إلى 300 مليون متر مكعب يوميًا في الشتاء، مما يعني أن الحكومة لن تتمكن من تلبية ربع احتياجات البلاد من الغاز.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى