تركيا تكتفي بالتنديد وتعرض الوساطة وسط تصاعد الضربات الإسرائيلية في سوريا

رغم الإشادة التي تلقّتها الوساطة التركية الأخيرة في سبيل تهدئة التصعيد الإسرائيلي في الجنوب السوري من قبل الرئيس احمد الشرع، فإن الموقف التركي لا يزال محلّ انتقاد واسع، خاصة مع امتناع أنقرة عن تقديم أي دعم عسكري مباشر للسلطات الانتقالية على عكس ما تفعله إسرائيل من دعم نشط ومكثف لحلفائها وتحديدًا الفصائل الدرزية في محافظة السويداء.
-
ليلة من الجحيم .. إسرائيل تفتح سجل الخسائر بعد الضربات الإيرانية
-
التصعيد في سوريا.. غارات إسرائيلية تضع القيادة الجديدة تحت الاختبار
ويصف مراقبون الخطاب التركي بـ”المتردد والضبابي”، إذ تتراوح المواقف الرسمية بين التنديد السياسي، والتنسيق الدبلوماسي مع الولايات المتحدة، والوساطات الصامتة مع إسرائيل، دون اتخاذ أي إجراء عملي من شأنه ردع التصعيد العسكري الإسرائيلي على الأراضي السورية أو تعزيز موقف الحكومة السورية الانتقالية في مواجهة التحديات الأمنية المتفاقمة.
ورغم تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، يوم الأربعاء، والتي أكد فيها أن أنقرة “نقلت وجهات نظرها” للإسرائيليين عبر جهاز المخابرات التركي، فقد جاء ذلك في سياق خطاب تهدئة وتحاشٍ لأي صدام مباشر. وقال فيدان في تصريحاته من نيويورك “نحن لا نريد عدم الاستقرار في سوريا”، مضيفًا أن الحل الأمني يجب أن يشمل دعمًا للحكومة السورية الجديدة، لكنه لم يوضح طبيعة هذا الدعم أو متى سيتحقق.
-
إسرائيل تصعّد ضد حزب الله: هجمات على طرق الإمداد وتوقعات في سوريا
-
سوريا تحت الأنقاض: صراع محتدم بين إسرائيل والفصائل الإيرانية
في المقابل، كانت إسرائيل أكثر وضوحًا في خياراتها. فقد قدمت، وفق تقارير حقوقية وعسكرية، دعمًا مباشرًا لحلفائها من الفصائل الدرزية في السويداء، عبر إمدادات بالسلاح والمعلومات الاستخباراتية، بل وشنت ضربات جوية متكررة على مواقع حكومية سورية، خاصة بعد تدخل قوات الجيش السوري لإيقاف الاقتتال الطائفي الذي اندلع هناك.
الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، في خطابه فجر الخميس، أشار بوضوح إلى هذا التباين، إذ ثمّن الوساطة التركية لكن ذلك لم يخفِ خيبة أمله على ما يبدو من الاكتفاء التركي “بالتنديد”، مقابل تدخل عسكري إسرائيلي واسع. وقال إن “سوريا لن تكون ساحة للتقسيم الطائفي أو التفتيت الخارجي”، مؤكدًا أن حكومة بلاده كانت أمام خيارين: مواجهة مباشرة مع إسرائيل، أو تفويض الزعامات الدرزية بحفظ الأمن في السويداء لتفادي الانزلاق إلى حرب شاملة.
-
سوريا في قلب الصراع: كيف تؤثر الهجمات المتبادلة على الوضع الأمني؟
-
الهجمات الإسرائيلية في سوريا: أسباب، أهداف، وتأثيرات
هذه المقارنة بين تدخل عسكري صريح من طرف إسرائيل وتحفظ تركي مفرط، فتحت الباب أمام أسئلة حادة في الداخل السوري: هل تتردد أنقرة في دعم الشرع عسكريًا خوفًا من المواجهة المباشرة مع إسرائيل؟ وهل أصبحت تركيا ترى في ضبط النفس نهجًا إستراتيجيًا أم غطاءً لعدم التدخل؟
وفي الداخل التركي، لا يبدو أن الحكومة أو البرلمان عازمان على تغيير هذا التوجه. فقد أقر البرلمان التركي، الأربعاء، مذكرة رسمية لإدانة “العدوان الإسرائيلي على سوريا”، وخصوصًا دمشق، واصفًا الضربات بأنها “دنيئة”، ومنتهكة لميثاق الأمم المتحدة.
-
ضربة إسرائيلية جنوب سوريا تطال عنصراً تابعاً لحماس
-
تصعيد جديد: الجيش الإسرائيلي يقصف مواقع في جنوب سوريا
رئيس البرلمان نعمان قورتولموش أكد، في المذكرة التي قُدمت باسم رئاسة البرلمان، أن هذه الهجمات تسعى لصرف الأنظار عن “الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين”، مطالبًا المجتمع الدولي بوقف “التقاعس غير المبرر”. لكن المذكرة لم تتضمّن أي إشارات إلى نية تقديم دعم عسكري أو حتى لوجستي لحكومة الشرع، التي تواجه حربًا مركبة في الداخل: عنف طائفي، وتدخلات خارجية، وخطر التقسيم.
ويبدو أن الرئيس السوري الانتقالي يسير على حبل مشدود بين قوتين إقليميتين لا تلتقيان كثيرًا في الأهداف أو الأدوات: إسرائيل، التي تدعم بوضوح فصائل معينة في الداخل السوري لتحقيق أهداف إستراتيجية تتعلق بحدودها وأمنها، وتركيا، التي تعبّر عن دعمها السياسي والرمزي دون الالتزام الفعلي بدعم الحكومة المركزية في دمشق.
-
إسرائيل تكثف من الغارات على مواقع حزب الله في سوريا
-
الغارات الإسرائيلية على سوريا.. رسائل تحذير غير مباشرة لتركيا؟
وفي هذا السياق، اعتبر بعض المحللين أن تفويض الزعامات الدرزية مسؤولية الأمن في السويداء لم يكن مجرد قرار محلي، بل رسالة مبطنة للحلفاء الإقليميين – تركيا بالدرجة الأولى – مفادها أن “سوريا لن تنتظر طويلًا دعمًا لا يأتي”.
وتواصل تركيا الحديث عن جهود دبلوماسية واسعة “لوقف التصعيد”، لا سيما عبر التنسيق مع واشنطن وبعض العواصم العربية. لكن هذه الوساطة، رغم أهميتها النسبية، لم تسفر حتى الآن عن إيقاف تام للضربات الإسرائيلية، كما لم تعزز القدرات الدفاعية السورية بأي شكل ملموس. وفي ظل هذا الجمود، تزداد الضغوط على حكومة الشرع لطلب دعم من أطراف أخرى، أو إعادة النظر في تحالفاتها الإقليمية.
-
إسرائيل تستهدف منزلا يقيم فيه عناصر لميليشيات ايرانية في سوريا
-
60 ضربة إسرائيلية تهز سوريا في أقل من 5 ساعات
وبينما يراهن البعض على أنقرة للعب دور الضامن للاستقرار السوري، يرى آخرون أنها تتعمد ترك الأمور عند الحد الأدنى من التدخل، لتجنب الاصطدام المفتوح مع تل أبيب، أو التورط في صراع طويل في الجبهة الجنوبية.
وبين المواقف الدبلوماسية التركية، والدعم العسكري الإسرائيلي المباشر، تجد الحكومة السورية الانتقالية نفسها أمام مشهد إقليمي معقّد، حيث الحلفاء لا يتطابقون في الأولويات، والوساطات لا تكفي لحماية وحدة الأرض السورية. وبغياب دعم عسكري فاعل من أنقرة، تتضاءل قدرة حكومة الشرع على الصمود أمام موجات التصعيد الاسرائيلية المقبلة، ما لم تتغير معادلة المواقف إقليميًا وميدانيًا.