سياسة

ترامب وإيران.. صفقة أم مواجهة جديدة حول النووي؟


بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، أصر الرئيس الأمريكي جو بايدن على أن «السلام ممكن»، مما يعكس الآمال في أن يكون ذلك التطور خطوة نحو إنهاء الصراعات في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

لكن العقبات التي تعترض السلام خارج لبنان هائلة، ومن المرجح أن تقع مسؤولية أي إعادة تنظيم إقليمي على عاتق خليفة بايدن دونالد ترامب.

وعن وقف إطلاق النار في لبنان، تقول صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية في تقرير لها إن إسرائيل وإيران كانتا تريدان إنهاء القتال في لبنان، ولكل منهما أسبابها الخاصة، مشيرة إلى أنه «بعد أن تقلصت قوتها (طهران) إلى حد كبير، لم يعد أمام حزب الله أي بديل».

لكن هذا لا يعني أن السلام بات وشيكاً في غزة، فما زالت إسرائيل وحماس بعيدتين عن التوصل إلى وقف إطلاق النار، فيما القوى الإقليمية الرئيسية مثل المملكة العربية السعودية تصر على إقامة دولة فلسطينية، وهو الاحتمال الذي يبدو بعيداً على نحو متزايد، إضافة إلى احتمال امتلاك إيران السلاح النووي يلوح في الأفق فوق أي جهد دبلوماسي.

وفي خطابه إلى الإسرائيليين لشرح سبب موافقته على وقف إطلاق النار في لبنان، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو «السبب الأول هو التركيز على التهديد الإيراني».

فماذا يعني ذلك؟

بحسب الصحيفة الأمريكية، فإن إيران ستكون على رأس قائمة أولويات ترامب في المنطقة، ليس لأنها تشكل المحور الرئيسي للتهديدات التي تواجه إسرائيل فقط، بل لأنها تواصل تخصيب اليورانيوم الذي يمكن تحويله بسرعة إلى أسلحة، فيما الوقت ينفد للتوصل إلى اتفاق جديد للحد من إنتاجها.

لكن هناك عوامل تعمل لصالح ترامب، فإيران -التي باركت وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله- تحاول أن تظهر لإدارة ترامب القادمة أنها منفتحة مرة أخرى على التوصل إلى اتفاق تفاوضي بشأن برنامجها النووي، كما يقول دبلوماسيون ومحللون.

ويقولون الدبلوماسيون إن إيران «في ظل الأضرار الجسيمة التي لحقت بحلفائها حزب الله وحماس، والضعف الذي أصاب دفاعاتها الجوية تريد تجنب المواجهة العسكرية المباشرة مع إسرائيل والحصول على تخفيف اقتصادي من العقوبات المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي، لذلك كانت حريصة على إظهار استعدادها المتجدد للتفاوض بشأن تخصيب اليورانيوم، الذي أصبح على بعد أسابيع قليلة من الوصول إلى درجة صنع الأسلحة، قبل أن يتولى ترامب منصبه».

ونقلت الصحيفة الأمريكية عن سنام فاكيل، مديرة قسم الشرق الأوسط في تشاتام هاوس قولها، إن الإيرانيين يحاولون استمالة «طموحات ترامب في عقد الصفقات، باستعراض امتثالهم لوقف النار في لبنان، وإعادة التواصل مع الأوروبيين، ملوحين بإمكانية التوصل إلى اتفاق نووي جديد».

«لكن التوصل إلى اتفاق هو عملية صعبة للغاية، فيما الوقت يمضي بسرعة»، تضيف مديرة قسم الشرق الأوسط في تشاتام هاوس.

وفي ولايته الأولى انسحب ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران، مصراً على أنه ليس صارماً بما فيه الكفاية، ولقد أسس سياسة «الضغط القصوى»، وأعاد فرض العقوبات الاقتصادية الصارمة على إيران وأضاف المزيد منها.

وقال علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية، إن إيران، التي يعيش اقتصادها في حالة مدمرة، ترغب في تجنب تلك السياسة.

وتحاول إيران والدول الأوروبية التي ساعدت في التفاوض على اتفاق 2015 وفشلت في الحفاظ عليه -بريطانيا وفرنسا وألمانيا- حاليا استكشاف إمكانية التوصل إلى اتفاق جديد، إلى جانب المناقشات حول كيفية تهدئة التوترات في الشرق الأوسط الأكبر.

صفقة جديدة؟

إلا أن الأمل يظل في إقناع ترامب بالإحجام عن تطبيق مجموعة جديدة من العقوبات الاقتصادية القاسية بمجرد عودته إلى الرئاسة في يناير/كانون الثاني، تقول الصحيفة الأمريكية.

وقال فايز «قد يكون ترامب مستعدا لسياسته السابقة، لكن إيران لم تعد قادرة على دعم المقاومة (..) إنها تريد تجنب مواجهة أخرى مكلفة مع ترامب واستكشاف صفقة»، مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكي المنتخب يمكنه إقناع الكونغرس بدعم صفقة، كما لم يتمكن الرؤساء الديمقراطيون السابقون من ذلك.

ولتحقيق هذه الغاية التقى نائب وزير الخارجية الإيراني مع مسؤولين أوروبيين في جنيف يوم الجمعة، للبناء على اجتماع سابق عقد في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول.

واتفقت إيران وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة على مواصلة “الحوار الدبلوماسي” بعد محادثات “صريحة” في جنيف أحيطت بالتكتم، في ظل توترات متصاعدة لا سيّما بسبب برنامج طهران النووي.

وعقد دبلوماسيون من الدول الأربعة مباحثات في جنيف، الجمعة، تطرقت إلى البرنامج النووي والتعاون الإيراني مع روسيا خصوصا في المجال العسكري، إضافة الى الوضع في الشرق الأوسط، وذلك قبل أقل من شهرين على عودة الجمهوري دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة.

مناقشات صريحة

وأفاد نائب وزير الخارجية الإيراني كاظم غريب آبادي على منصة إكس بأن المناقشات كانت “صريحة” لتقييم التطوّرات على مستوى العلاقات الثنائية والإقليمية والدولية، خصوصا ما يتعلق بالقضايا النووية ورفع العقوبات الغربية المفروضة على طهران.

وقال “نحن ملتزمون بشدّة في الدفاع عن مصالح شعبنا ونفضّل طريق الحوار والمشاركة”، مضيفا “تمّ الاتفاق على مواصلة الحوار الدبلوماسي في المستقبل القريب”.

ولم يعلّق المشاركون الآخرون بعد على الاجتماع الذي عقد على ضفاف بحيرة جنيف وأحيط بتكتم شديد.

وكان اجتماع بصيغة مماثلة قد عُقد في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي.

ولقد رعت نفس هذه الدول الأوروبية قراراً في الأسبوع الماضي يفرض الرقابة على إيران لعدم شفافيتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، ربما لإظهار لترامب أنهم أيضاً على استعداد لأن يكونوا أكثر صرامة مع إيران، بحسب «نيويورك تايمز».

وتصر إيران بانتظام على أن برنامجها النووي مخصص لأغراض مدنية بحتة، لكنها تعمل على تخصيب اليورانيوم إلى مستوى ليس له استخدام مدني، لكنه قريب من المستوى العسكري، ولا يتوقع المسؤولون الأوروبيون الكثير من الاجتماع يوم الجمعة، لكنهم يرون فيه وسيلة للتحضير لرئاسة ترامب والتأثير على سياسته تجاه إيران.

ولا يريد الأوروبيون أن يتم تهميشهم من قبل أي اتفاق مباشر بين الولايات المتحدة وإيران، فمنذ ترك ترامب الرئاسة تسبب تعاون إيران المفتوح مع الصين -خاصة مع روسيا- في إزعاج الأوروبيين.

سياسة الضغط القصوى

وقالت كيسلي دافنبورت، مديرة سياسة منع الانتشار في رابطة الحد من الأسلحة «لا أتوقع أن يسفر الاجتماع عن نتائج ملموسة، لكنه فرصة للأوروبيين وإيران لاستكشاف الخطوط العريضة للاتفاق، وما ترغب إيران في طرحه على الطاولة»، مضيفة أنه «بمجرد تولي ترامب منصبه فإن الوقت اللازم للتوصل إلى اتفاق جديد سيكون قصيرا، نحو ستة أشهر فقط».

ويرجع ذلك إلى أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في عام 2015، والذي علق العقوبات الدولية ضد إيران ينتهي في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق جديد قبل ذلك الموعد فمن المتوقع أن يلجأ الأوروبيون إلى الأمم المتحدة لاستعادتها، فيما يعرف بالعقوبات السريعة.

إلا أن «الضغوط متعددة الأطراف، مع فرض عقوبات الأمم المتحدة بالإضافة إلى العقوبات الأمريكية، هي ما تريد إيران تجنبه حقا»، تقول دافنبورت، مضيفة أن «الإيرانيين كانوا أذكياء للغاية عندما أشاروا في وقت مبكر وواضح إلى استعدادهم للتفاوض مع ترامب».

وأضافت أن هناك بالفعل توترات بين المحيطين بترامب الذين يفضلون ممارسة أقصى قدر من الضغط وتفضيله المعلن للتوصل إلى اتفاق. «وهذا سبب آخر يجعل الأوروبيين يريدون دفع ترامب إلى التحرك بسرعة».

لغز معقد

لكن في إطار الجهود الرامية إلى تحقيق السلام الأوسع في الشرق الأوسط، فإن الاتفاق النووي مع إيران ليس سوى جزء واحد صعب للغاية من لغز معقد، خاصة إذا «دفع ترامب إلى إحياء التطبيع بين السعودية وإسرائيل الذي بدا واردا قبل حرب غزة».

إلا أنه بعد مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين، يبدو هذا الاتفاق أبعد من أي وقت مضى، مع ضغوط السعوديين وقادة دول الخليج من أجل تحقيق تقدم ملموس نحو إقامة الدولة الفلسطينية.

وقال محللون إنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق نووي وتم تعزيز الضغوط الأمريكية القصوى من خلال إعادة فرض العقوبات، فإن إيران، التي أضعفتها مواجهتها مع إسرائيل، قد تختار المضي قدما وتطوير رادعها النووي.

وستشكل مثل هذه الخطوة انتهاكا لالتزامات إيران بموجب معاهدة منع الانتشار النووي، وتحديا لإسرائيل والولايات المتحدة، اللتين تعهدتا بمنع إيران من الحصول على القنبلة النووية على الإطلاق.

وتجري إسرائيل أيضا حساباتها الخاصة بروح جديدة من الثقة، وتحاول التأكد مما قد يكون الرئيس ترامب على استعداد للقيام به أو السماح به، لـ«مواصلة إضعاف إيران»، كما يقول هيو لوفات من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.

 

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى