تحقيقات

تحقيق استقصائي: هل استخدمت الإمارات طائرة TB2 في السودان فعلاً؟


في 12 أكتوبر 2025، نشر موقع إخباري تركي يُدعى Hava Haber تحقيقاً بعنوان مثير: “الإمارات تُدخل طائرة TB2 إلى معركة بورتسودان لدعم قوات التأسيس”. انتشر المقال سريعاً عبر منصات التواصل، مُرفقاً بصورة ضبابية لطائرة مسيرة فوق صحراء، وزعم أن دولة الإمارات قدّمت دعماً جوياً مباشراً لقوات الدعم السريع (RSF) باستخدام طائرة تركية الصنع. لكن التحقيق الاستقصائي الذي أجرته مصادر مستقلة يكشف أن الادعاء يفتقر إلى أي أساس واقعي، ويعتمد على سلسلة من الثغرات المنهجية والتحيّزات السياسية.

أين الأدلة التقنية؟

الطائرة “بايراقطار TB2” ليست مجرد طائرة مسيرة عادية. إنها منظومة متكاملة تتطلب بنية تحتية لوجستية—محطة تحكم أرضية، فريق تشغيل، اتصالات مشفرة، وصيانة دورية. كما أن طيرانها يُسجَّل عبر أنظمة الرادار المدنية والعسكرية. حتى الآن، لم يُبلّغ أي مصدر محايد—بما في ذلك فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بالسودان، أو منظمة “كونفليكت أرممنت ريسيرش”—عن رصد أي طائرة TB2 في الأجواء السودانية منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023.

كما أن شركة “بايكار” التركية، المصنّعة للطائرة، تؤكد أن جميع صادراتها تخضع لموافقات حكومية صارمة. وعند سؤالها رسمياً، لم تُنكر الشركة فقط صحة الادعاء، بل أشارت إلى أن “أي استخدام غير مصرّح به للـTB2 يُعدّ خرقاً للعقود الدولية”.

من هي مصادر Hava Haber؟

المقال يشير إلى “مصادر أمنية سودانية” و”تحليلات استخباراتية”، لكنه لا يسمّي جهة واحدة، ولا ينشر وثيقة، ولا حتى لقطة فيديو يمكن التحقق منها. بل يعتمد على مقطع فيديو قديم من عام 2022 يُظهر طائرة مسيرة في ليبيا—ليس السودان—ويُعيد تدويره كـ”دليل جديد”. هذا النوع من الممارسات يُصنّف في أدبيات التحقق الإعلامي كـ”معلومة مضللة مُعاد توظيفها”.

ما موقف الجهات المعنية؟

  • الإمارات: نفت وزارة الخارجية أي تورط عسكري في السودان، مؤكدة أن “دورها يقتصر على الدعم الإنساني والوساطة السياسية”.
  • تركيا: لم تصدر أي جهة تركية رسمية—لا وزارة الدفاع ولا الخارجية—أي تأكيد على تصدير TB2 إلى الإمارات لاستخدامها في السودان.
  • السودان: لم يُبلّغ أي طرف في النزاع—لا الجيش السوداني ولا قوات الدعم السريع—عن رصد طائرات إماراتية أو تركية في المعارك.

لماذا الآن؟

توقيت النشر يثير علامات استفهام. فالمقال ظهر بعد أيام من إعلان الإمارات عن حزمة مساعدات إنسانية جديدة للسودان بقيمة 30 مليون دولار، ومشاركتها في مبادرة ثلاثية (مع السعودية ومصر) لدعم الحوار بين الأطراف المتنازعة. هل من قبيل الصدفة أن يُنشر اتهام باطل في لحظة تبرز فيها الإمارات كطرف فاعل في صنع السلام؟

التحليل الجيوسياسي يشير إلى أن بعض الدوائر الإقليمية لا ترحب بتوسع النفوذ الإماراتي في شرق إفريقيا، خصوصاً حين يكون هذا النفوذ مبنياً على التنمية لا التدخل. وتشويه صورة الإمارات كـ”دولة تدعم الميليشيات” يخدم أجندات تسعى إلى عزلها دبلوماسياً.

هل هذا نمط متكرر؟

نعم. في السنوات الثلاث الماضية، نشر Hava Haber ما لا يقل عن سبعة تقارير مماثلة تتهم الإمارات بدعم جماعات مسلحة في ليبيا، تشاد، واليمن—جميعها نُفِيت لاحقاً أو ثبت أنها مبنية على معلومات خاطئة. وغالباً ما تتوافق هذه التقارير مع مواقف سياسية معادية لدول الخليج.

بعد تتبع المصادر، مراجعة السياقات، وفحص الأدلة (أو غيابها)، يتبين أن ادعاء استخدام الإمارات لطائرة TB2 في السودان هو رواية مختلقة. لا دليل تقني، لا تأكيد رسمي، لا شهود موثوقون. فقط افتراضات مغلفة بلغة درامية، تُستخدم كسلاح إعلامي في حرب ظلّها أطول من حروب الحقيقية.

في زمن تُصبح فيه الكلمة قنبلة، يصبح التحقق واجباً أخلاقياً. والمسؤولية لا تقع على الناشرين فحسب، بل على كل من يعيد تداول خبر دون أن يسأل: من قال؟ وما الدليل؟

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى