تحديات السياسة الأمريكية بعد “الترامبية”
لنبدأ بالسؤال الأهم حول الظاهرة الترامبية “2016-2020″، وهل من دروس يمكن لمنطقتنا الخليجية على وجه التحديد الاستفادة منها؟
كما يبدو أن أسوار الديمقراطية الأمريكية تتعرض للضعف، وهذه الفكرة ليست جديدة، فقد لاحظ الكثير من الباحثين والمفكرين في أمريكا أن الضعف الديمقراطي قد ظهرت ملامحه منذ بداية القرن الحالي، ولعل أكثر المؤشرات التي استهلكت نقاشاً حاداً هناك هو وصول رئيس أسود إلى البيت الأبيض، وهذا ما جعل فترة الرئيس ترامب تظهر بهذه الحدة الانقلابية مُقدّمةً “الترامبية” كمؤشر على أن التحديات التي تواجه الديمقراطية الأمريكية قد تعمقت في المسار السياسي.
فوجئ العالم وبشكل كبير بتلك المظاهر غير المعتادة عندما تولى الرئيس ترامب رئاسة أمريكا، خاصة مظاهر العلاقة بينه وبين الرئيس أوباما، حيث احتدم التنافس متجاوزاً التقاليد العريقة للثقافة الديمقراطية، وقد بدأت ملامح غريبة في السياسة الأمريكية شدّت العالم إليها من خلال ممارسات سياسية أمريكية غير معتادة، كتلك الانسحابات من معاهدات دولية ومحاولة تغيير الواقع السياسي، خاصة خارج أمريكا بالقوة، كما أن أهم ميزات الترامبية “2016-2020″، حيث تمحور القرار الأمريكي بيد شخص الرئيس فقط، الذي يعتبر الوحيد بين رؤساء أمريكا الذي أتى إلى البيت الأبيض دون خلفية سياسية أو عسكرية أو حتى خدمة حكومية.
التاريخ الأمريكي الذي خلق أول نظام رئاسي في العالم عام 1787م، كان على وشك الإصابة بمرض ديمقراطي ظهرت أعراضه على شكل نمو في العنصرية وتهديد وشكوك في معايير الديمقراطية التي ثبت أن الرئيس ترامب كان بعيداً عنها ولم يكن لديه الاستعداد الكافي لتقبل هذه المعايير ببساطة، خاصة ما شهده العالم من تشكيك في القيم الانتخابية الأمريكية ومحاولة انتزاع الرئاسة للمرة الثانية عبر وسائل وأساليب خارج المسار الديمقراطي التقليدي الذي نجح في تنصيب أربع وأربعين رئيساً أمريكياً قبل ترامب.
انعكاسات الظاهرة الترامبية تخيم على الكثير من السياسات الأمريكية مع وجود رئيس ديمقراطي جديد يحاول أن يتخلص من تلك الظاهرة التي غيرت المسار السياسي الأمريكي، كما يبدو، فالأربع سنوات القادمة لن تكون كافية للتخلص من كل منتجات الترامبية، وهنا يأتي السؤال المهم حول الكيفية التي يمكن لدولنا توظيفها لدعم رجل البيت الأبيض الجديد الساعي إلى إعادة الاستراتيجية الأمريكية الخاصة بحلفائها في المنطقة، عبر السير قدماً لترسيخ العلاقة بين دول الخليج وأمريكا وفق مفهوم متجدد يدعم توجهات البيت الأبيض في محاولة استعادة أمريكا لمكانتها لقيادة العالم من جديد.
المؤسسات السياسية الخليجية ومنظماتها وصحافتها ليست بحاجة إلى طرح المقارنات بين ترامب وبايدن، فالظاهرة الترامبية أثبتت أنها حالة من طفرة جينية ديمقراطية لن تتكرر إلا على أنقاض الديمقراطية نفسها، اليوم تتعالى الأصوات الديمقراطية في أمريكا بالعودة إلى التاريخ الأمريكي واستعادة هيبته وفرضه على المسار الديمقراطي مهما كان الثمن، التقاليد السياسية الأمريكية التي اعتاد العالم عليها من المؤكد أنها سوف تعود وبقوة مع الرئيس بادين.
الخبرة السياسية لدول الخليج في علاقتها مع أمريكا وتقديم نفسها حليفاً استراتيجياً تاريخياً هي المفتاح الأكثر أهمية لاستعادة التوازن بينها وبين رجل البيت الأبيض الجديد، لقطع الطريق أمام محاولات الراغبين في تعكير صفو العلاقات الأمريكية الخليجية.
نسيان فترة ترامب والعودة إلى قواعد اللعبة التاريخية مطلب دبلوماسي، خاصة أن التحولات العالمية وتباين القوى والصعود السياسي لقوى عالمية جديدة تشكل جميعها النقطة التي يجب استثمارها مع أمريكا لترسيخ تحالفاتها من جديد في منطقة الشرق الأوسط والخليج بشكل خاص، حيث أهم مصادر الطاقة في العالم.