بوليساريو والساحل.. تهديد مستمر للأمن بعد فشل مشروع الانفصال

تشهد منطقة الساحل والصحراء تصاعدا خطيرا في التهديدات الأمنية نتيجة التداخل بين حركات التمرد الانفصالية والتنظيمات الإرهابية العابرة للحدود. وتبرز جبهة بوليساريو كأحد أبرز الفاعلين المثيرين للجدل في هذا المشهد، فبعد عقود من تقديم نفسها كحركة “تحرر”، تؤكد تقارير استخباراتية غربية وإفريقية بانتظام تورط عناصرها في شبكات الإرهاب والجريمة المنظمة، مما يعزز المطالبات بتصنيفها رسميا كمنظمة إرهابية.
-
واشنطن تضغط على الجزائر لوقف دعمها لميليشيات البوليساريو
-
انشقاق داخل البوليساريو: دعوة لكسر احتكار التمثيل والانفتاح على التسوية
شراكات مشبوهة مع أخطر التنظيمات
وتشير الأدلة الميدانية إلى أن عناصر من الجبهة يقدمون دعما لوجستيا لمجموعات متطرفة مثل القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وداعش في الصحراء الكبرى وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين. ويتمثل هذا الدعم في: تهريب الأسلحة عبر الحدود المترامية وتأمين طرق العبور لقوافل المخدرات القادمة من أميركا اللاتينية عبر غرب إفريقيا وتسهيل تنقل المقاتلين بين مالي والنيجر وموريتانيا والجزائر.
وهذا الارتباط لا يجعل من بوليساريو مجرد حركة انفصالية، بل لاعبا مباشرا في شبكة التهديدات الأمنية التي تقوض استقرار الساحل.
وتُعد موريتانيا من أكثر الدول عرضة للخطر، نظرا لحدودها الطويلة مع مناطق نشاط الجبهة الانفصالية، فقد تسببت عمليات التهريب وتسلل الجماعات المسلحة في إرباك خطط نواكشوط لضبط حدودها وتعزيز استقرارها الداخلي. ويخشى خبراء الأمن من أن يؤدي استمرار هذه الأنشطة إلى خلق بيئة حاضنة للتطرف، قد تُستغل لاحقا لتأجيج نزعات انفصالية في شمال موريتانيا، ما يهدد وحدة البلاد.
-
مخيمات تندوف على صفيح ساخن: الانفلات الأمني يفضح انهيار البوليساريو
-
وقف مشترك بين مصر وموريتانيا يربك حسابات الجزائر والبوليساريو
البعد الجزائري.. رعاية وتحريك
ولا يمكن إغفال دور الجزائر في استمرار بوليساريو، فالدعم السياسي والمالي واللوجيستي الذي توفره للجبهة الانفصالية يجعلها أداة ضغط إقليمي أكثر من كونها حركة تحرر وطني كما تزعم وكما تروج لذلك في إطار طروحاتها الانفصالية.
ويرى مراقبون أن هذا التوظيف السياسي قد يحول الأراضي الموريتانية إلى ساحة صراع بالوكالة، وهو ما يضاعف المخاطر الأمنية ويفشل أي محاولة لبناء تعاون إقليمي حقيقي ضد الإرهاب.
وتصاعد القلق الدولي من أنشطة الجبهة تُرجم مؤخراً في الولايات المتحدة عبر مشروع قانون في الكونغرس (H.R. 4119) يدعو صراحة إلى تصنيف بوليساريو منظمة إرهابية.
-
البوليساريو على طاولة واشنطن: دعوات للتصنيف ضمن الجماعات الإرهابية
-
من دعم إلى عبء.. البوليساريو ترهق الخزينة الجزائرية
ويستند القانون إلى معطيات تثبت “صلات متنامية” بين الجبهة وتنظيمات مثل القاعدة وحزب الله والحرس الثوري الإيراني، فضلاً عن علاقتها بداعمين دوليين كإيران وروسيا. كما ينص على فرض عقوبات بموجب “قانون ماغنيتسكي العالمي”، مع إمكانية الإعفاء في حال التزام الجبهة بمسار الحل السياسي القائم على الحكم الذاتي المغربي وهو المبادرة التي طرحتها المملكة المغربية في 2007 وبات يكتسب وخما دوليا أكبر باعتباره الحل الواقعي الوحيد والقابل للتطبيق لإنهاء النزاع المفتعل في الصحراء المغربية الغربية.
ويعني تصنيف بوليساريو تنظيما إرهابيا تشديد الرقابة على مصادر تمويل الجبهة وتجفيف قنوات الدعم غير المشروع وملاحقة قضائية لقادتها على الصعيد الدولي وتعزيز التعاون الاستخباراتي بين دول المنطقة لكبح تحركاتها وعزل سياسي ودبلوماسي يحد من قدرتها على المناورة.
-
في تحول لافت.. البوليساريو تلمّح لقبول الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية
-
تقدم دبلوماسي مغربي في الأمم المتحدة.. إدانة جديدة للبوليساريو
ويؤكد المراقبون أن مواجهة هذه التهديدات تتطلب أكثر من مجرد التصنيف القانوني. المطلوب وهو مقاربة شاملة تتضمن تقوية التعاون الأمني بين دول المغرب العربي والساحل ورفع جاهزية القوات الحدودية لموريتانيا ومالي والنيجر والتحرك الدبلوماسي المنسق لإقناع المجتمع الدولي بخطورة الجبهة.
كما يتطلب الأمر برامج تنموية تقلل من هشاشة المناطق الحدودية التي تستغلها الجبهة الانفصالية والمهربون. وقد بادر المغرب مبكرا لاعتماد برامج تنموية واعدة ضمن مقاربة شاملة لتعزيز التنمية في أقاليمه الجنوبية بما في ذلك في صحرائه لإرساء الاستقرار الاجتماعي وترسيخ العدالة الاجتماعية وخلق موارد رزق لأهالي المنطقة وقطع الطريق على استغلال تنظيمات إرهابية للشباب ومحاولة تجنيدهم.
وأسست المبادرات المغربية التنموية الضخمة في الأقاليم الجنوبية التي يقودها العاهل المغربي الملك محمد السادس، لتحويل الصحراء لمركز جاذب للاستثمارات الأجنبية وفتحت الباب أمام تنافس بين كبرى الشركات الغربية للاستثمار في المنطقة.
-
نبرة صارمة من نواكشوط تجاه البوليساريو تفتح باب التساؤلات
-
أجهزة استخباراتية تحذّر من تحالف بين البوليساريو وتنظيمات متطرفة
ومن أبرز هذه المشاريع ما يتعلق بالبنية التحتية الكبرى مثل:
ميناء الداخلة الأطلسي وهو مشروع استراتيجي قيد الإنجاز بكلفة تفوق 10 مليارات درهم. يتوقع أن يحوّل الداخلة إلى قطب بحري وتجاري يربط إفريقيا بأوروبا والأميركيتين.
الطريق السريع تزنيت–الداخلة: يمتد لأكثر من 1000 كلم، يربط الجنوب بباقي جهات المملكة ويسهّل انسياب البضائع والاستثمارات.
الربط الطاقي: مشاريع الطاقات المتجددة (شمسية وريحية). لإنتاج وتصدير الطاقة نحو الداخل المغربي والأسواق الدولية.
-
مغربية الصحراء تترسخ: كينيا تعيد تموضعها وتُضعف جبهة البوليساريو
-
البوليساريو على أعتاب التصنيف الإرهابي
تنمية اقتصادية وجاذبية استثمارية تركز على إنشاء:
مناطق صناعية ولوجستية مخصصة لقطاعي الصيد البحري والصناعات التحويلية.
تطوير السياحة الصحراوية والبيئية عبر تشجيع الاستثمارات في الفنادق، الرياضات البحرية، ومؤتمرات الأعمال.
تحفيز الاستثمار الأجنبي بحوافز ضريبية، وتبسيط المساطر الإدارية في الأقاليم الجنوبية.
الربط الإقليمي والدولي
خطوط جوية وبحرية جديدة لتعزيز الربط بين مدن الصحراء، الدار البيضاء، أوروبا وإفريقيا.
الداخلة كمحور قاري: بوابة اقتصادية للتعاون المغربي-الإفريقي واستقطاب الشركات متعددة الجنسيات الباحثة عن أسواق جديدة.
-
الاتحاد الأوروبي يغيّر مواقفه… وبوليساريو تواجه عزلة متصاعدة
-
توتر في تندوف احتجاجًا على تواطؤ البوليساريو مع عصابات الجريمة
ومن خلال هذه المشاريع الاستراتيجية، يعمل الملك محمد السادس على جعل الصحراء المغربية قطبا اقتصاديا قاريا يربط المغرب بعمقه الإفريقي والعالم. ويمنح الأقاليم الجنوبية مكانة تنافسية في جذب الاستثمارات الأجنبية، مع تحقيق التنمية المستدامة للسكان المحليين.
وفي المقابل تعمل جبهة بوليساريو بدعم جزائري على التشويش على هذه المشاريع من خلال انخراطها في نشاطات إرهابية واجرامية. وربط صلات بجماعات متطرفة مصنفة دوليا على قائمة التنظيمات الإرهابية.
ولم تعد الجبهة الانفصالية ضمن هذه السياقات، مجرد ملف نزاع سياسي إقليمي. بل تحولت إلى تهديد أمني عالمي، يتقاطع مع الإرهاب العابر للحدود والجريمة المنظمة. وإدراجها على قوائم الإرهاب قد يكون الخطوة الأولى لقطع شراكاتها المشبوهة، لكنه يحتاج إلى إرادة إقليمية ودولية صلبة تضع استقرار الساحل ووحدة دوله فوق أي حسابات سياسية.