سياسة

المقاومة في الخطاب والسياسة.. حرب غزة تضع الإسلاميين أمام امتحان التناقض


كشفت الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ عامين عن تناقضات عميقة في مواقف تيارات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، التي بدت مواقفها متأرجحة بين خطابها التقليدي الداعم لـ “المقاومة” وحساباتها السياسية الواقعية.

وبحسب دراسات صادرة عن مراكز بحث عربية وغربية، فإنّ جماعات الإسلام السياسي تعاملت مع الحرب باعتبارها فرصة لتجديد خطابها الدعائي واستقطاب أنصار جدد، مستخدمةً القضية الفلسطينية كمنصة لإعادة إنتاج نفسها سياسيًا. وتشير التحليلات إلى أنّ هذه الجماعات خلطت بين مفاهيم “الدفاع عن المقاومة” و”التعبئة الإيديولوجية”، في محاولة لاستثمار المشاعر الشعبية تجاه فلسطين لتعزيز شرعيتها.

ووفقًا لمراقبين، نقلت عنهم شبكة (إندبندنت عربية)، شكّلت الحرب لحظة اختبار كشفت عن تباين كبير في ردود أفعال هذه الجماعات، حيث خضعت مواقفها لمصالحها وظروفها في كل دولة على حدة، بدلاً من تبنّي موقف موحد.

ففي الوقت الذي بارك فيه التنظيم الدولي للإخوان، وفروعه في لبنان والعراق واليمن، عملية “طوفان الأقصى”، وانخرط بعضها في الصراع المباشر، اتخذت تيارات إسلامية أخرى، مثل الحركة الإسلامية في إسرائيل وبعض الحركات السلفية، مواقف أكثر حذرًا وصلت إلى حدّ التحفظ أو المعارضة، لتجنب الصدام مع الأنظمة الحاكمة.

ويرى محللون أنّ هذا التباين يعكس سعي هذه التيارات لاستغلال الحرب بهدف “إعادة التموضع” والبحث عن أدوار سياسية بعد سنوات من التراجع والانقسام الداخلي الذي تعانيه جماعة الإخوان منذ سقوط حكمها في مصر عام 2013.

وتجلى هذا التناقض بشكل خاص في أداء جماعة الإخوان التي تبنت خطابًا حماسيًا في الإعلام، لكنّها أحجمت عن أيّ تحرك فعلي أو مبادرة سياسية ملموسة. ففي دول مثل مصر والأردن، التزمت الجماعة الحذر الشديد خشية الدخول في مواجهة جديدة مع الدولة، مكتفية برفع الشعارات دون أيّ تصعيد حقيقي على الأرض.

ويرى باحثون أنّ الإخوان تحديدًا حاولوا الموازنة بين دورهم التاريخي كمدافعين عن القضية الفلسطينية، وبين مخاوفهم من التصنيف الدولي كجماعة متطرفة. ففي حين رفع إعلامهم في الخارج شعارات المقاومة، التزموا داخل بعض الدول، مثل مصر والأردن والمغرب وتونس، بسياسة الحذر والتهدئة لتجنب الصدام مع السلطات.

ويؤكد خبراء في شؤون الحركات الإسلامية أنّ هذه البراغماتية ليست جديدة، بل هي امتداد لتاريخ طويل من اللعب على التناقضات منذ تأسيس الجماعة عام 1928، إذ استخدمت الدين كغطاء لتحقيق مكاسب سياسية وتنظيمية، وتبدلت تحالفاتها وفقًا للظروف الإقليمية.

ويخلص المراقبون إلى أنّ الحرب في غزة أظهرت أنّ الحسابات السياسية البراغماتية أصبحت هي العامل الحاسم في تحديد بوصلة جماعات الإسلام السياسي، وهو ما أربك خطابها التقليدي القائم على القضية الفلسطينية كركيزة أساسية للحشد والتعبئة.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى