سياسة

المخفي والمعلن في لقاء “بايدن-الكاظمي”

د. شاكر نوري


يبقى ما دار في كواليس لقاء الحكومة العراقية بالرئيس الأمريكي جون بايدن في واشنطن مثار جدل وريبة بين القوى الحاكمة في العراق.

تساؤلات تدور في أذهان السياسيين والعامة، مفادها: هل للحكومة العراقية صلاحيات التصرف بمفردها في قرارات مستقلة مع أمريكا، التي لا تزال قواعدها مستمرة في العراق؟ 

وهل الاتفاقية، التي وقعها الطرفان، ستأخذ طريقها إلى التطبيق أم أنها ستبقى حبيسة الأدراج؟ باعتبار أن القوى المتحكمة بهذا الملف ليس بينها الحكومة العراقية، بل أطراف أخرى تتصرف بعد استشارة القوة الإقليمية المعروفة، التي تتحكم بالعراق ومصيره.

سمعنا منذ زمن طويل الكلام الأمريكي، الذي مفاده أن الاتفاقية الحالية تركز على استبدال مهام “المشورة والتدريب والتعاون العسكري” بالمهمات القتالية.

أثارت الاتفاقية الغامضة الانقسامات عند الأحزاب الدينية المتحكمة، مثل “تحالف فتح” بزعامة هادي العامري، الذي أيد الاتفاقية باعتبارها “تؤمّن السيادة العراقية”، فيما رفضتها أطراف أخرى لأنها تنتظر رأي أجندات أخرى.

هذه المواقف تخضع إلى الأوضاع المضطربة في إيران، التي تعاني من الحصار والتظاهرات الاحتجاجية والانقسام الحاصل في الطبقة الحاكمة، والهوة الكبيرة بين السلطة والشعب، وغيرها من الأزمات، وهذا بدوره يؤثر على القرارات العراقية.

هناك متغيرات كثيرة على الساحة العراقية والإيرانية، خاصة بعد اشتداد الحصار الأمريكي على إيران، وانحسار الأحزاب الدينية في المنطقة، ما يجعل مثل هذه الاتفاقيات ذات أهمية بالغة، ولكنها تذكرنا باتفاقيات سابقة، مع تغييرات في بعض بنودها، لكن الوجود الأمريكي بقي بكل ثقله وقوته ونفوذه.

دائما ما فكرت الولايات المتحدة في فرض عقوبات على العراق لأنه تابع للسياسة الأمريكية، وظلت أذرع إيران في العراق تشكل تهديدًا، ولو رمزيًا، للوجود الأمريكي، مثل قصف قواعدها هنا وهناك دون الإخلال بها فعليًا.

لا يمكن مقارنة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بانسحابه من العراق، كما عبّر عنه وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، بقوله: “لن ننسحب من العراق مثلما انسحبنا من أفغانستان”، وقبلها تصريحات الجنرال كينيث ماكنزي، قائد القيادة المركزية الأمريكية، التي تصب في السياق نفسه.

هذا هو جوهر الاتفاقية، التي ترسم علاقة “الكاظمي” بـ”بايدن”، وما يكمن وراءها من أسرار.

ما تأثير اتفاقية بايدن-الكاظمي على الاستقرار الأمني والسياسي في العراق؟ ومَن الرابح في هذه الاتفاقية ومنْ سيخسر؟ 

الجوهر في هذا الجدل هو: هل ستجلب هذه الاتفاقية أو غيرها الاستقرار الأمني والسياسي في العراق حتى لو تم ضمه إلى المنظومة الأمريكية؟

ليس غريبًا أن تذهب معظم التحليلات إلى أن الوجود الأمريكي في العراق أسهم في نمو الأحزاب الدينية والمليشيات التابعة لإيران، وشرّع الفساد والطائفية و”داعش” بطريقة أو أخرى.

على أي حال، جاءت هذه القمة، التي جمعت بين رئيس الوزراء العراقي والرئيس الأمريكي، خالية من البنود الواضحة، وظلت تدور في العموميات، واكتفت ببنود عائمة قديمة، وهي الإعلان عن إنهاء “المهمة القتالية” للجنود الأمريكيين في نهاية العام، دون التطرق إلى القواعد الأمريكية.

ربما يُطرح سؤال: هل يطّلع الإيرانيون سرا على بنود الاتفاقية العراقية مع “بايدن”؟ وهل تقف المليشيات التابعة لإيران مكتوفة الأيدي إزاء بنودها؟

تدرك إيران أن الانتخابات العراقية على الأبواب، إذ أعلنت قوى سياسية متعددة مقاطعتها، وهو ما سيؤثر على العملية السياسية، التي تعاني أصلاً من الضغوطات، وأمريكا هي الأخرى تدرك أن هذه الانتخابات لا تؤدي إلى الاستقرار ولا إلى استعادة عافية الاقتصاد العراقي.

ويبدو أن اللعبة الديمقراطية، التي عاش ويلاتها العراقيون على مدى عقدين، توشك على الانتهاء، ولا يتمكن أحد، لا من الأحزاب الدينية ولا المليشيات المسلحة ولا الحكومة العراقية ولا الإدارة الأمريكية ولا الانتخابات المبكرة، من بث الحياة فيها أو تجديدها واستدامتها.

كانت إيران ولا تزال تمارس لعبة مزدوجة من أجل المناورة في علاقتها بأمريكا، وتبعاً لطبيعة المفاوضات حول الاتفاق النووي.

ويبدو أن اتفاقية بايدن-الكاظمي هي الأخرى مناورة من النوع الذي يؤدي إلى إحراج جميع المشاركين في العملية السياسية.

والسؤال المحرج بهذا الشأن هو: هل الاتفاق حلّ موضوع بقاء أو مغادرة القوات الأمريكية؟ هل هو إنجاز حقا أم اتفاق لا لون له ولا طعم ما دامت القوات الأمريكية تصول وتجول في العراق؟

من الواضح أن القوات الأمريكية باقية في العراق، سواء كانت مهماتها قتالية أم استشارية، لأن حضورها كبير وثقيل، وعلى عكس التصورات أن بقاءها لا يضمن أمن العراق واستقراره، بل على العكس يشكل عاملا في عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي المستعصي على جميع الحلول.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى