الفاشر بين معادلات الميدان وضغوط المجتمع الدولي

تشهد مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، تطورات متسارعة جعلتها مركز الاهتمام في المشهد السوداني الراهن. فقد سجلت قوات الدعم السريع تقدماً ملحوظاً في محيط المدينة، وسط عجز واضح للجيش السوداني عن فرض سيطرته الكاملة أو صد الهجمات المتكررة، ما يفتح الباب أمام إعادة رسم موازين القوى في الإقليم.
معركة الفاشر: واقع جديد على الأرض
على مدار الأسابيع الأخيرة، كثّفت قوات الدعم السريع من عملياتها العسكرية، مستفيدة من حالة الإنهاك التي يعاني منها الجيش في جبهات متعددة. هذا التقدم لا يمثل مجرد نجاح ميداني فحسب، بل يبعث برسالة سياسية بأن الدعم السريع بات رقماً أساسياً في أي تسوية قادمة، خاصة وأنه يسعى لتقديم نفسه كقوة منضبطة قادرة على إدارة المناطق التي يسيطر عليها.
ورقة المساعدات الإنسانية
من بين الرسائل التي يركز عليها الدعم السريع في الفاشر هو تأكيده على تأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين. هذه النقطة تحمل دلالات مزدوجة: فهي من جهة محاولة لإظهار الوجه الإنساني للقوة العسكرية، ومن جهة أخرى وسيلة لتخفيف الضغوط الدولية وتجنب الاتهامات بارتكاب انتهاكات، خاصة أن الوضع الإنساني في دارفور يزداد تعقيداً مع تزايد أعداد النازحين ونقص المواد الأساسية.
المبادرة الأمريكية – الإقليمية
وفي موازاة التطورات الميدانية، برزت مبادرة أمريكية جديدة بالتعاون مع الإمارات والسعودية ومصر، تهدف إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل منظم إلى المناطق المتضررة، بما في ذلك الفاشر. هذه المبادرة، التي لم تُعلن تفاصيلها الكاملة بعد، تعكس إدراك المجتمع الدولي لخطورة الوضع الإنساني، وتأكيده أن الحل في السودان لن يكون عسكرياً بقدر ما هو سياسي وإنساني بالأساس.
ما بين الحسابات العسكرية والسياسية
الوضع في الفاشر يلخص المشهد السوداني كله: جيش يعاني من ضعف داخلي وتشتت في الجبهات، وقوات دعم سريع تحاول فرض واقع جديد، ومجتمع دولي يتدخل بأدوات إنسانية وسياسية لاحتواء الأزمة. السؤال المطروح اليوم ليس من سينتصر عسكرياً، بل من سيتمكن من تقديم نفسه كطرف شرعي قادر على الجمع بين السيطرة الميدانية وتلبية احتياجات المدنيين.
إن مستقبل الصراع في السودان يمر عبر محطات مفصلية، والفاشر قد تكون إحداها الأبرز. فما يجري هناك ليس مجرد معركة محلية، بل مؤشر على ملامح مرحلة جديدة قد تحدد شكل التسوية النهائية، ومن سيتصدر المشهد في اليوم التالي للحرب.