الضربات الإسرائيلية تحول صور إلى مدينة منكوبة
قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم الى شقة تخلّعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق بالإضافة الى الأبنية والمنازل.
وفي اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية وحوّلتها الى منطقة منكوبة.
ولم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. وتقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاما)، وهي أم لطفلين، لوكالة فرانس برس بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع، “لم نتوقّع دمارا الى هذا الحدّ. كنا رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايرا وصعبا”.
وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، بينما تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف نجدة “عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان وبالكاد استطعنا معاينة المنزل”.
وعلى الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاما). ويقول “نشكو من انقطاع المياه والكهرباء. حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات”.
ويقول الرجل الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب، “صور ولبنان لا يستحقان ما حصل… لكن الله سيعوّض علينا وستعود المدينة أفضل ما كانت”.
وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين، لضربات عدّة دمّرت أو ألحقت اضرارا بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية وقطّعت أوصال المدينة.
وأنذرت إسرائيل خلال الأسابيع القليلة الماضية مرارا سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفا.
وخلال جولة في المدينة حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسية، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها حسن دبوق لفرانس برس “أكثر من خمسين مبنى مؤلفة من ثلاثة الى 12 طابقا دُمّرت كليا جراء الغارات الإسرائيلية”، عدا عن تضرّر عشرات الأبنية في محيطها بنسبة تصل الى ستين في المئة، مضيفا “يمكن القول إنه يكاد لم يبق أي منزل بمنأى عن الضرر”.
وشهدت شوارع المدينة زحمة سير الخميس مع عودة المئات من السكان الى أحيائهم، بينما أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.
ويوضح دبوق “يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلا بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية”، مضيفا أن الأولوية اليوم “للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة وتأمين سبل الحياة للمواطنين”، مقرّا بأن ذلك “لن يحصل بنقرة ويحتاج لتعاون” بين المؤسسات المعنية، مشددا على أنه “من المهم أيضا إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة”.
واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 أكتوبر/تشرين الثاني شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها ومقتل موظفين اثنين وانقطاع المياه عن ثلاثين ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.
ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو فرانس برس الخميس في إطار جولة نظمها حزب الله للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.
وتحتاج إعادة بنائها الى فترة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر، وفق بركات الذي قال إن العمل جار لتوفير خيار موقت يزوّد السكان العائدين بالمياه، مضيفا “لا صواريخ هنا ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية.. استهدفها العدوان الإسرائيلي”.
وبحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاما)، الخياط السوري المقيم في صور منذ عشر سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة. ويقول بأسى “بكيت من القهر.. منذ يوم أمس وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر الى ألعاب أولادي والدمار وأبكي”.
وغابت الزحمة الخميس عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم الى البحر لتوفير قوتهم.
وبين هؤلاء مهدي اسطنبولي (37 عاما) الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر/تشرين الأول حركة القوارب في المنطقة البحرية في جنوب لبنان.
ويقول “لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظا على سلامتنا” باعتبار المنطقة “حدودية” مع إسرائيل.
ويقول اسطنبولي “نراقب الوضع.. وننتظر”، مضيفا “نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية” بعد توقف الحرب.
ويقول الأب لأربعة اطفال “أحيانا وأنا أجلس عند البحر، أسمع فقش الموج وأجفل.. يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة”.