تحقيقات

الصراع في السودان.. ماذا عن مواقف القوى المدنية والسياسية؟


يعد انقسام مواقف القوى المدنية والسياسية تجاه الاقتتال الدائر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع امتدادًا للانقسام السياسي بينها بشأن الاتفاق الإطاري، إذ لم يتخذ بعدًا إيديولوجيًا أو فكريًا بين يمين ويسار أو علماني ومحافظ.

فبينما دعت أكثر القوى إلى التهدئة والتوصل لوقف لإطلاق النار لتجنب الحرب الأهلية بين السودانيين، لاذت بعض التيارات والأحزاب السياسية بالصمت كناية عن عدم رضاها لما آلت إليه الأمور في البلاد على يد العسكر.

مواقف القوى السياسية

اشترك جناحا قوى الحرية والتغيير المتمثلان بالمجلس المركزي والقوى الديمقراطية في الدعوة إلى التهدئة ووقف القتال فورًا والعودة إلى طاولة التفاوض. فهما القوتان الأبرز اللتان يرتكز عليهما الجيش وقوات الدعم السريع.

فالمجلس المركزي لطالما عارض توسيع الاتفاق الإطاري مرتكزًا على تفاهمه مع الجيش، بينما كانت الكتلة الديمقراطية من أشد المنتقدين للاتفاق.

يأتي هذا بينما جاء موقف “التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية” بشكل أوضح لجهة اعتبار أن الأزمة في جذورها تعود إلى عدم الاجماع على الاتفاق الإطاري الذي لا يُعبر عن مصالح القوى السياسية في البلاد، بحسب التحالف.

حزب “دولة القانون” المحسوب على التيار الإسلامي صرح على لسان رئيسه محمد علي الجزولي وقوفه إلى جانب الجيش والقوات المسلحة ضد الدعم السريع.

يشاطر الموقف الأخير حركة “المستقبل للإصلاح والتنمية”، التي أعلنت في بيان لأمينها العام هشام عثمان الاصطفاف إلى جانب الشعب والجيش في مواجهة التمرد العسكري، حسب تعبيره.

رفض الاقتتال والحرب

بدوره، عبّر تحالف “قوى التغيير الجذري”، الذي يضم الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين السودانيين الجناح المنشق وأسر الشهداء واتحاد مزارعي الجزيرة عن رفضه للاقتتال، داعيًا إلى وقف الحرب التي تخدم أجندات ومحاور دولية وإقليمية، كما قال.

كما دعت “تنسيقيات لجان المقاومة” إلى وقف الحرب معبرة عن إدانتها اللجوء إلى العنف، ووصفت كلام كل من قائد الجيش وقوات الدعم السريع بأنهما “عدوان للثورة”، كما جاء في بيان صادر عنها.

وتعكس هذه المواقف جميعها تذررًا في المجتمع السياسي السوداني وتباينًا في الرؤى لمستقبل البلاد وشكل التحالفات المستقبلية التي قد تطاول التشكيلات السياسية والمدنية نفسها.

ما بعد الإطاحة بالبشير

السودان دمار ونار ودخان. بعد أن قرر المتحاربون أن يجعلوا من ميادينه وشوارعه حلبة صراع على السلطة، مجهزين على ما تبقى من حلم الديمقراطية الموعود به عند الإطاحة بنظام البشير عام 2019.

لم تكن الثورة السودانية في ذلك الوقت إلا تعبيرًا أصيلًا عن توق الناس إلى الحرية والانعتاق من سلطة الفساد التي أنهكت البلاد وأدخلتها في دائرة الفقر والفاقة بالرغم من غنى موارده.

بحسب أرقام صادرة عن هيئات تابعة للأمم المتحدة، انتظم السودانيون في تشكيل تياراتهم السياسية والمدنية وشكلوا الأحزاب السياسية، وصاغوا برامج تعبر عن طموحاتهم السياسية، وذلك استعدادًا للشراكة في بناء نظامهم الجديد.

وكما هي الديمقراطية تنافس بين مشارب فكرية وإيديولوجية يجري فيها ما يصح في التجارب الديمقراطية على مرّ العصور من اصطفافات وتحالفات وتوليد للكيانات السياسية أو حتى الانشقاقات، فبدأت ملامح المجتمع السياسي السوداني بالتبلور بخريطة سياسية تعبر عن مصالح ورؤى مختلف القطاعات الاجتماعية والاقتصادية. لكن هذا المشهد كان مليئًا بعوامل تفجره من الداخل، بحسب متابعين للشأن السوداني.

ومع اشتراك قيادة الجيش وقوات الدعم السريع في تشكيل أول مجلس للسيادة وقيادتهم لدفة المرحلة الانتقالية، فكان وجودهم في قلب القرار السياسي عامل قلق وانقسام وفرقة، بحسب القوى المدنية السودانية.

ولمّا كان العسكر أساسًا ينسبون إلى أنفسهم فضل الإطاحة بالبشير، فقد استعصى على المدنيين استبعادهم من إدارة الصراع والانتقال إلى الحكم المدني، فصار رئيس المجلس الانتقالي قائدًا للجيش وقائد قوات الدعم السريع نائبًا له.

ونظرًا لطبيعة المكون العسكري الثنائية، فقد باتت القوى السودانية أمام قطبين عسكريين متنافسين على صيغة الحكم، ومن سيكون له الكلمة العليا بمستقبل السودان.

إسكات الأصوات المدنية

تمكّن تحالف من الأحزاب والنقابات المهنية والمنظمات المدنية من تشكيل قوى إعلان الحرية والتغيير، التي فرضت على المكون العسكري الدخول في المفاوضات ما بعد حكم البشير لتحجز لنفسها صوتًا ومقعدًا على طاولة المجلس الانتقالي.

قبلت بعض القوى المدنية والسياسية الدوران في فلك واحد بين هذين القطبين، وتخفّى الجيش والدعم السريع بالمكونات المدنية التي تدعمه، بينما بقيت تيارات سياسية ونقابية على رفضها لطغيان العسكر والتمسك بالمبادئ الديمقراطية التي اجتمع عليها السودانيون بعد الثورة.

كان لعدم تجانس المكون العسكري دور في حالة الخلاف بين القوى المدنية. أمّا وقد دخل هذان القطبان في المواجهة العسكرية المفتوحة فقد تم إسكات الأصوات المدنية وغابت اللعبة السياسية.

ولعلّ السودان وتجربته الانتقالية نحو الديمقراطية قد تم تعليقها، إن لم تكن قد اجهضت بشكل كامل، كما تقول بذلك تيارات سياسية شاركت في الاطاحة بالبشير، وتواجه الآن خطر الإطاحة بها.

“الانتقال من حالة الثورة إلى حالة الدولة”

وفي هذا السياق، يعتبر المتحدث باسم إعلان قوى الحرية والتغيير عمار حمودة أن “حكومة الوضع الراهن” انقلبت على قوى الحرية والتغيير التي جاءت بمشروع سياسي وبطرق سلمية “أفضت إلى تفكيك هذا الانقلاب والذهاب إلى الاتفاق الإطاري”.

ويرى في حديث إلى “العربي” من لندن، أنّ الاتفاق الإطاري “كان سيفضي إلى حكومة مدنية وتوافق سياسي جديد”، لكنه يؤكد أن “أعداء هذا الانتقال هم الذين يروجون بأن قوى الحرية والتغيير قد هددت بالحرب وأنها تريد أن تحكم بالتجبر”، حسب رأيه.

ويشير إلى أنّ فصائل سودانية كثيرة داخل قوى الحرية والتغيير قد تحدثت أنها ستعمل بجد من خلال الفترة الانتقالية القادمة لتنظيم الانتخابات لأنها “تريد العبور من حالة الثورة إلى حالة الدولة المستقرة”.

بشأن الموقف من الصراع الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع، يلفت حمودة إلى أن قوى الحرية والتغيير قد حذّرت سابقًا من الانزلاق نحو هذا الاقتتال، مؤكدًا تحميل طرفي النزاع المسؤولية عن تداعياته وتأثيره على المدنيين.

وبينما يرفض حمودة وضع قوى الحرية والتغيير إلى جانب أحد المتصارعين في السودان، يؤكد أن “قوات الشعب المسلحة السودانية يجب أن تدمج داخلها جميع الجيوش وكل من يحمل السلاح وصولًا إلى جيش مهني موحد وقومي”، حسب قوله. ويخلص إلى اعتبار المعارك الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع “عبثية” ولن ينتصر فيها أيّ أحد.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى