سياسة

الشراكة المغربية-الإسبانية تتعزّز بدعم اللقاءات القطاعية والتحضيرات المشتركة لمونديال 2030 كنموذج للتعاون المستقبلي.


 أشادت إسبانيا بقوةٍ بالمسار الإصلاحي الذي يقوده العاهل المغربي الملك محمد السادس، مؤكدةً أن المغرب نجح في بناء قصة تحول وطني واسعة عززت مكانته كفاعل إقليمي ودولي موثوق.

وجاء هذا الموقف في إعلان مشترك اختُتمت به أشغال الدورة الثالثة عشرة للاجتماع رفيع المستوى المغربي–الإسباني في مدريد، حيث أبرزت الحكومة الإسبانية أن الإصلاحات العميقة التي اعتمدها المغرب من النموذج التنموي الجديد إلى الجهوية المتقدمة والاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، أسست لدينامية تحديث حقيقية وراسخة.

وثمّن البيان الإسباني المبادرات الملكية الموجَّهة نحو إفريقيا، خاصة تلك المرتبطة بالدول الإفريقية الأطلسية، ومسار تسهيل ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، إضافة إلى مشروع أنبوب الغاز الإفريقي–الأطلسي.

واعتبر أن هذه المشاريع تعكس التزام الرباط بتنمية القارة واستقرارها، وتجسّد رؤية الملك محمد السادس في تعزيز موقع بلاده كجسر اقتصادي واستراتيجي بين إفريقيا وأوروبا.

كما نوهت مدريد بالدور الذي يضطلع به المغرب في دعم مسار السلام، وبالجهود التي تقوم بها رئاسة لجنة القدس للحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي للمدينة والدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

وأكد وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس أن العلاقات المغربية–الإسبانية “تمر بأفضل لحظة في تاريخها”، مشدداً على تنسيق وثيق مع نظيره المغربي ناصر بوريطة لتفعيل خارطة الطريق المعتمدة منذ 2022، وتوسيع مجالات التعاون لتشمل القارة الإفريقية أيضاً.

وشهدت مدريد سلسلة اجتماعات وزارية ثنائية شملت الصناعة والطاقة والصيد البحري والتعليم والصحة والاستثمار والنقل، في مؤشر على رغبة البلدين في تحويل التفاهم السياسي إلى تعاون قطاعي ملموس.

كما حافظت إسبانيا على موقعها كشريك تجاري أول للمغرب، فيما تقدمت الرباط لتصبح ثالث وجهة للصادرات الإسبانية خلال 2024 ورابع مورد خارج الاتحاد الأوروبي.

ويعكس مستوى التنويه الإسباني بالإصلاحات المغربية إدراكاً متزايداً داخل مدريد بأن قصة النجاح التي صنعها الملك محمد السادس على مستويات الاقتصاد والمجتمع والبنية التحتية والدبلوماسية، تحولت إلى عنصر استقرار إقليمي، فالتقارب بين البلدين لم يعد ظرفياً أو محكوماً بمعالجة ملفات خلافية، بل بات قائماً على رؤية استراتيجية تُشرك الرباط في صياغة توازنات غرب المتوسّط.

مقاربة ملكية وازنة أسست لشراكة استراتيجية بين المغرب واسبانيا
مقاربة ملكية وازنة أسست لشراكة استراتيجية بين المغرب واسبانيا

وبالنظر إلى التحولات الجيوسياسية، يمكن قراءة هذا التقارب في ثلاث اتجاهات رئيسية:

أولاً: إعادة تموقع إسبانيا جنوب المتوسّط

منذ 2022، اعتمدت مدريد مقاربة أكثر واقعية مع الرباط، مدركة أن الدور المغربي في ملفات الطاقة، والهجرة، والأمن الحدودي، ومشاريع الربط الإقليمي، جعل منه شريكاً لا غنى عنه، فنجاح المغرب في بناء نموذج تنموي جديد يعكس قدرة على المضي في استراتيجيات بعيدة المدى، وهو ما ينسجم مع احتياجات أوروبا للأمن الاقتصادي والطاقة النظيفة.

ثانياً: الصعود الإفريقي للمغرب

المبادرات المرتبطة بالمجال الأطلسي والممرات التجارية وأنبوب الغاز الإفريقي–الأطلسي تمنح المغرب موقعاً محورياً في ربط غرب إفريقيا بالأسواق الدولية. وهنا، تدرك مدريد أن تعزيز تعاونها مع الرباط يفتح لها منفذاً فاعلاً نحو فضاء إفريقي تسعى هي الأخرى إلى تطوير حضورها فيه. وتعكس تصريحات ألباريس حول “امتداد الصداقة إلى إفريقيا” هذا الوعي الجديد.

ثالثاً: تزاوج الاقتصاد بالجغرافيا السياسية

والأرقام التجارية المتصاعدة ليست سوى نتيجة لمستوى الثقة السياسية. أما تنظيم كأس العالم 2030 مع البرتغال، فهو ورشة استراتيجية ستدفع البلدين إلى تعميق التعاون في البنى التحتية والاستثمارات والخدمات اللوجستية، ما يرسخ شراكة متعددة الأبعاد تتجاوز التعاون التقليدي إلى تكامل فعلي.

ويؤكد الاجتماع رفيع المستوى الأخير أن العلاقات المغربية–الإسبانية تشهد تحولاً بنيوياً قوامه الثقة والمصالح المشتركة، مع إقرار رسمي إسباني بأن الرباط أصبحت شريكاً إقليمياً أساسياً بفضل الإصلاحات العميقة والخيارات الاستراتيجية التي يقودها الملك محمد السادس. ومع تكثيف اللقاءات القطاعية واقتراب موعد كأس العالم 2030، تتجه الشراكة بين البلدين نحو مزيد من الرسوخ، بما يجعلها نموذجاً متقدماً للتعاون المتوسطي–الإفريقي في السنوات المقبلة.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى