سياسة

الشارع الإيراني تحت الضغط.. ارتفاع أسعار الوقود يهدّد الهدوء الاجتماعي


 يترقب الشارع الإيراني ببالغ الحذر والقلق الأنباء الواردة من طهران، التي تشير إلى قرب إعلان الحكومة عن زيادات جديدة في سعر الوقود المدعم. هذه الخطوة، وإن كانت ضرورة اقتصادية ملحة في نظر صناع القرار، إلا أنها تُعد بمثابة “اللعب بالنار” على صفيح الاحتقان الاجتماعي الساخن. فذاكرة الإيرانيين ما زالت تحتفظ بالنتائج الكارثية لرفع الأسعار المفاجئ في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، عندما تحولت المظاهرات إلى انتفاضة عارمة قمعها النظام بقوة غير مسبوقة.

ويُمثل الدعم الحكومي للوقود عبئًا ثقيلاً على مالية الدولة، خاصة في ظل انخفاض عائدات النفط بسبب العقوبات الدولية المشددة. وفي مسعى حثيث لتعويض عجز الموازنة المتزايد، يُنظر إلى رفع الأسعار كأسهل الطرق لزيادة الإيرادات.

ويأتي هذا في وقت يعاني فيه الاقتصاد الإيراني من تضخم مرتفع وانهيار مستمر في قيمة الريال الإيراني مقابل الدولار، نتيجة للعقوبات والسياسات المالية غير المستقرة. وقد أدى هذا الوضع إلى تآكل متسارع في القدرة الشرائية لفئات واسعة، ودفع ما يقرب من ثلث السكان للعيش تحت خط الفقر.

أسباب الغضب الكامن: الفساد وتفضيل الخارج

ويشعر الشعب الإيراني بأن الدولة لا تشركه في موارد البلد العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، بل تُمارس عليه الضغوط المالية، خاصة وأن التجارب السابقة أظهرت أن زيادة الأسعار تكون مفاجئة وغير متبوعة ببرامج دعم فعالة وموثوقة تخفف من الأثر المعيشي. ولا تقتصر الاحتجاجات المرتقبة على الوقود فحسب، بل هي تعبير عن غضب أعمق تجاه الفساد المستشري والجمود السياسي وسوء الإدارة الاقتصادية، خاصة مع استياء شعبي متزايد من إنفاق مليارات الدولارات على تسليح وتمويل فصائل موالية لإيران في الخارج، بدلاً من توجيهها إلى تحسين الأوضاع المعيشية الداخلية.

التغيير الجديد: نهج “التدرج المشروط” لتفادي الانفجار

وفي محاولة لتعلم الدرس من عام 2019، تبدو الحكومة عازمة على تطبيق نهج تدريجي ومشروط. ووفقًا لوكالة تسنيم، وبموجب قرار الحكومة الذي يبدأ تطبيقه في ديسمبر/كانون الأول، ستُفرض رسوم على تزويد السيارات بالوقود ببطاقات الطوارئ قدرها 50 ألف ريال إيراني للتر (أي ما يعادل تقريباً 0.44 دولار أميركي بسعر السوق الحرة). ويمثل هذا السعر الجديد 10 بالمئة فقط مما تدفعه الدولة فعلياً لشراء لتر واحد من الوقود من المصافي.

وبحسب المصدر نفسه يمكن استخدام بطاقات الطوارئ في محطات الوقود في حال عدم امتلاك السائق للبطاقة الذكية التي تتيح له شراء ما يصل إلى 60 لترًا من الوقود بسعر مدعوم (15 ألف ريال للتر، أو 0.14 دولار)، ثم ما يصل إلى 100 لتر بسعر شبه مدعوم (30 ألف ريال للتر الواحد، أو 0.27 دولار).

عبء الدعم وواقع التهريب والاستهلاك غير الرشيد

وفيما يبلغ الإنتاج المحلي من الوقود حوالي 110 ملايين لتر يوميًا، بات هذا الرقم أقل من الطلب المتزايد الذي قد يصل إلى 140 مليون لتر يوميًا بسبب عوامل متعددة، أبرزها السيارات منخفضة الكفاءة في استهلاك الوقود، وعمليات التهريب الواسعة للوقود الرخيص إلى الدول المجاورة، بالإضافة إلى زيادة الاستهلاك في حرارة الصيف.

وحذر مسؤولون حكوميون من أن أسعار الوقود المدعومة في إيران “غير رشيدة” وتفرض عبئاً ثقيلاً على مالية الدولة وتحفز على الاستهلاك غير الأمثل وتدفع إلى الاستيراد.

وخلافاً للقرار المفاجئ عام 2019 برفع أسعار الوقود على جميع البطاقات الذكية، يختلف تطبيق تسعيرة ثالثة هذه المرة في كونه يركز على شروط معينة: من بينها أن المواطنين الذين يمتلكون عدة سيارات سيتمكنون من استخدام حصص البطاقة الذكية لمركبة واحدة فقط. بينما ستدفع المركبات المملوكة للحكومة والسيارات المنتجة حديثاً والمستوردة السعر الأعلى (سعر البطاقة الطارئة).

ومن المتوقع إجراء المزيد من التغييرات في فبراير/شباط المقبل، بما يشمل خفض حصص الغاز للسيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي المضغوط، والتي تشكل نسبة كبيرة من سيارات الأجرة.

المخاوف الأمنية: تفادي “نوفمبر الدامي”

وتخشى السلطات بشكل كبير من تكرار “احتجاجات نوفمبر الدامي” التي تحولت إلى انتفاضة واسعة النطاق تم قمعها بقوة غير مسبوقة. لذا، تحاول الحكومة هذه المرة اعتماد نهج تدريجي ومشروط في رفع الأسعار، بالإضافة إلى محاولة تهيئة الرأي العام عبر وسائل الإعلام لتفادي الغضب المفاجئ، على أمل أن يكون هذا التعديل أقل تأثيراً في شريحة واسعة من المستهلكين المدعومين.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى