سياسة

السويداء تحت قبضة العشائر وسط تصاعد التوترات الأمنية


سيطرت قوات العشائر على أغلب أحياء مدينة السويداء، معقل الدروز، بعد رفض فصائل في المدينة انتشار قوات الأمن العام تطبيقا للاتفاق الذي أعلن عنه في وقت سابق من اليوم السبت، فيما ناشد العديد من السكان بفتح ممرات آمنة للخروج من المحافظة بعد تدهور الأوضاع الإنسانية بسبب حظر التجول والحصار.

وأفاد مصدر من مجلس القبائل السورية باحتدام القتال وسط مدينة السويداء للسيطرة على أحياء عين الزمان والثورة وحسي المسلخ ودار الجرة، لافتا أن العشائر تتقدم في طريقها للسيطرة على مساكن القلعة وحي النهضة ومحيط المشفى.

وتمثل أعمال العنف في محيط السويداء أحدث تحد لسيطرة الحكومة التي يهيمن عليها الإسلاميون في دمشق، والتي وصلت إلى السلطة بعدما أطاح مقاتلو المعارضة بالرئيس بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول.

وشملت أعمال العنف اشتباكات بين الدروز، وهم أقلية دينية تسكن جنوب سوريا وهضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل وأجزاء من لبنان والأردن، والعشائر البدوية السورية. وأدى ذلك إلى اندلاع اشتباكات بين القوات الحكومية والمسلحين الدروز بالإضافة إلى هجمات شنتها عناصر الأمن السوري على الطائفة الدرزية.

وفي الحي الذي تصاعدت منه أعمدة الدخان وبدت شوارعه مقفرة إلا من مسلحين غاضبين، وقف المقاتل أبوجاسم يخاطب رفاقه “إلى الأمام يا عشائر إلى الأمام”، رغم إعلان الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وقفا لإطلاق النار ودعوته جميع الأطراف بما فيهم مقاتلي العشائر الى وقف العمليات القتالية.

ويقول أبوجاسم متوعدا “اليوم يومك يا هجري”، في إشارة إلى شيخ العقل حكمت الهجري، أحد ثلاثة مراجع دينية بارزة في السويداء، معقل الأقلية الدرزية.

وتتهم دمشق الهجري بتحريك مقاتلين محليين ضد القوات الحكومية وعشائر البدو و”الاستقواء بالخارج”، بعدما شنّت اسرائيل سلسلة ضربات على مقار حكومية في دمشق وأهداف عسكرية في السويداء.

وينعت أتباع الهجري بتعابير نابية مرددا بحزم “نحن اليوم بين بيوتهم، سنذبح الناس في عقر منازلها”. وعلى مقربة من أبوجاسم، ترتفع ألسنة النيران من منازل ومتاجر بعد نهبها.

نحن اليوم بين بيوتهم، سنذبح الناس في عقر منازلها

وشاهد مصور لفرانس برس في غرب مدينة السويداء عشرات المنازل والسيارات تحترق وسط اشتباكات يخوضها مقاتلو العشائر ضد مسلحين دروز، لافتا إلى أن مسلحين أضرموا النيران في متاجر بعد نهب محتوياتها.

ورغم إعلان الشرع وقف إطلاق نار فوري وتحذيره أي طرف من مغبّة خرقه، تزامنا مع بدء قوات الأمن الانتشار في المحافظة، إلا أن اشتباكات دارت في غرب المدينة وريفها الشمالي.

وقرب قرية شمال مدينة السويداء، شُوهدت قوات حكومية تنتشر عند حاجز، وتحاول عبثا ثني مسلحين من العشائر عن التقدم الى المنطقة.

وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية نورالدين البابا في ريف السويداء الشمالي إن قوات الامن تنتشر داخل المحافظة من “أجل تامين الممتلكات العامة والخاصة وتأمين سلامة المدنيين والإشراف على انسحاب جميع العشائر التي كانت على اشتباك مع فصائل خارجة عن القانون”، وهي تسمية تستخدمها السلطات لوصف المقاتلين الدروز.

وكانت وزارة الداخلية أعلنت أن نشر قوات الأمن يأتي في سياق “وقف الفوضى وحماية المدنيين” الذين دفعوا ثمنا باهظا للاشتباكات التي أوقعت منذ اندلاعها الأحد 940 قتيلا على الأقل، وفق أخر حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان.

وبين القتلى 262 مدنيا في السويداء، ضمنهم 182 “أُعدموا ميدانيا برصاص عناصر من وزارتي الدفاع والداخلية”، وفق المرصد، الذي رجح ارتفاع حصيلة القتلى مع وجود جثث في الشوارع وداخل المنازل.

وقرب المستشفي المركزي الذي أصبح بمثابة “مقبرة جماعية” بعد تكدّس الجثث فيه من دون إمكانية التعرف الى هويات القتلى، أفاد مصور لفرانس برس عن توجه لدفن الجثث المنتفخة في حفرة مجاورة بشكل مؤقت لاستحالة ابقائها في المشفى الذي لم تعد براداته تتسع للمزيد.

ولا تزال مدينة السويداء، حيث كان يقيم 150 ألف نسمة، مقطعة الأوصال يلازم من بقوا فيها منازلهم خائفين، وسط انقطاع خدمات المياه والكهرباء وعدم توفر الوقود والمواد الغذائية رغم مناشدات لإدخال المساعدات الانسانية اليها.

وأفاد شاهد عيان بأن القوات المهاجمة أخلت وسط المدينة بعد ظهر اليوم السبت، موضحا أنه شاهد مسلحين يسحبون جثثا من أحد الشوارع.

وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تداول مستخدمون على نطاق واسع في الأيام الأخيرة مقاطع مصورة التقطها المسلحون الذين يخوضون معارك ضد المقاتلين الدروز، يظهر بعضها تصفية أشخاص بلباس مدني وإهانة رجال دين مسنين وكيل الشتائم والإهانات.

ونشر العشرات شهادات نعي صادمة توثق ملابسات مقتل أقربائهم وأصدقائهم، فيما أحصت الأمم المتحدة اليوم السبت نزوح ما لا يقل عن 87 ألف شخص من محافظة السويداء بشكل رئيسي، باتجاه محافظة درعا المجاورة.

وقال أحد سكان المدينة الذين نزحوا منها قبل أيام، من دون الكشف عن هويته، “لم يبق لنا شيء. ماتت غالبية الناس الذين نعرفهم، أقرباؤنا وأصدقاؤنا”، مضيفا بحسرة “السويداء دُمرت ونحاول إبعاد عائلاتنا ريثما تنتهي حفلة الجنون”.

وفي سياق متصل عقد وزيرا خارجية الأردن أيمن الصفدي وسوريا أسعد الشيباني والمبعوث الأميركي إلى سوريا توم برّاك اجتماعا في عمان في وقت لاحق من اليوم السبت لبحث سبل “تثبيت وقف إطلاق النار” في سوريا، حسبما أفاد بيان صادر عن الخارجية الأردنية.

وقال المصدر نفسه إن الصفدي والشيباني وبراك “إتفقوا على خطوات عملانية تستهدف دعم سوريا في تنفيذ الاتفاق، بما يضمن أمن واستقرار سوريا ويحمي المدنيين، ويضمن بسط سيادة الدولة وسيادة القانون على كل الأرض السورية”.

وبحسب البيان “تضمنت الخطوات العملانية مواضيع تتعلق بتثبيت وقف إطلاق النار، ونشر قوات الأمن السورية في محافظة السويداء، وإطلاق سراح المُحتجَزين لدى كل الأطراف وجهود المصالحة المجتمعية في المحافظة، وتعزيز السلم الأهلي، وإدخال المساعدات الإنسانية”.

وخلال اللقاء أكّد الصفدي وبراك “دعمهما اتفاق وقف إطلاق النار وجهود الحكومة السورية المُستهدِفة تطبيقه”، وشدّدا على “وقوف المملكة والولايات المتحدة وتضامنهما الكامل مع سوريا وأمنها واستقرارها وسيادتها وسلامة ووحدة أراضيها وسلامة مواطنيها”، مؤكدين على أن “أمن دمشق واستقرارها ركيزة لاستقرار المنطقة”.

تابعونا على

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى