الدبلوماسية العراقية تحت قبضة الأحزاب: التسريبات تكشف المستور

أثارت قوائم أسماء السفراء الجدد التي جرى تسريبها أزمة وصراعا بين الأحزاب السياسية التي تسعى إلى تأمين نفوذها في المواقع الدبلوماسية، ما يؤكد أن منصب السفير قد أصبح جزء من نظام “تقاسم النفوذ” الذي يهيمن على مؤسسات الدولة.
وبدلا من أن يكون اختيار السفراء مبنيا على الكفاءة والخبرة الدبلوماسية، أصبح يخضع لمعايير المحاصصة الحزبية والطائفية، ما يشير إلى تسييس العمل الدبلوماسي العراقي ويضعف قدرته على تمثيل مصالح العراق بفعالية على الساحة الدولية.
وأزمة تعيين السفراء في العراق ليست مجرد مسألة إدارية، بل هي انعكاس عميق لمشكلة هيكلية في طريقة إدارة الدولة، حيث تتصارع الأحزاب على النفوذ على حساب بناء مؤسسات دولة قوية وفعالة وقائمة على الكفاءة.
وذكر موقع وكالة شفق نيوز الكردية العراقية نقلا عن مصدر لم يسمه من الإطار التنسيقي الذي يضم الأحزاب الشيعية الرئيسية الموالية لإيران (باستثناء التيار الصدري) أن تلك القوى “تعتزم مناقشة قوائم أسماء السفراء التي تسربت والتي من المفترض المصادقة عليها من قبل مجلس النواب بعد تحديد جلسة خاصة بذلك”.
ولم تؤكد الحكومة العراقية بعد صحة القائمة التي تضم أسماء العشرات لمنصب سفير أو بمسؤولية بعثة خارجية أو ملحقية دبلوماسية، لكن الموقع الاخباري الكردي العراقي أوضح أنه تبين بعد اطلاعه على القائمة أن “عددا ملحوظا من الأسماء الواردة في القائمة هم أبناء أو أقرباء مباشرين لشخصيات سياسية نافذة في الدولة، بعضهم تجاوز الثلاثين من العمر بقليل، دون أي خلفية دبلوماسية تُذكر أو سجلّ مهني يؤهله لهذا المنصب السيادي”.
وقال المصدر من الإطار التنسيقي إن “بعض قوى الإطار انتقدت قوائم أسماء السفراء الجدد بذريعة أن أغلبهم غير مؤهلين، فضلا عن عدم تحقق العدالة بما يتناسب وحجم بعض القوى ووزنها السياسي، وتم الاتفاق في شكل مبدئي على عقد اجتماع يناقش حيثيات وتفاصيل السفراء الجدد، بما ينسجم وخطط البلاد الاستراتيجية في الجانب الدبلوماسي”.
وتابع أنه سيجري على الأرجح ادخال تعديلات على قائمة المرشحين لمنصب سفير أو مناصب دبلوماسية أقل درجة، بعد أن انتزعت قوى سياسية نافذة أكثر من 15 سفيرا مواليا لها، بينما لم تحصل الأقليات على من يمثلها دبلوماسيا باستثناء التركمان الأقلية التي اعترضت عن تسمية ممثل عنها سفيرا لم تحدد بعد وجهته من قبل وزارة الخارجية.
ومن المتوقع أن يعقد الإطار التنسيقي اجتماعا خلال الأسبوع المقبل لمراجعة القائمة وتحديد من سيتم حذف اسمه من القائمة المثيرة للجدل وقد يتم إضافة أسماء أخرى بديلة وفقا لاتفاقات مع القوى النافذة في المشهد العراقي، بحسب المصدر ذاته.
وبحسب الإجراءات المعمول بها دستوريا لن يتم تمرير قائمة أسماء السفراء الجدد المقترحة في صيغتها النهائية إلا بعد أن يصادق عليها مجلس النواب العراقي الذي تهيمن عليه الكتل البرلمانية لقوى الإطار التنسيقي.
ويشهد العراق منذ العام 2003 ومع كل دورة سياسية جديدة جدلا واسعا واعتراضات سواء داخل البرلمان أو لدى الرأي العام العراقي حول قائمة التعيينات الدبلوماسية التي عادة ما تخضع لنظام المحاصصة بعيدا عن معيار الكفاءة والمصالح العليا للدولة وغالبا ما تعقد صفقات محاصصة بين الأحزاب والكتل السياسية.
ومنذ عام 2003، لم تكن قوائم تعيين السفراء في العراق تمرّ بهدوء، بل كانت في كل دورة سياسية تثير موجات من الجدل والاعتراض، سواء داخل البرلمان أو في أوساط الرأي العام، إذ يجمع مراقبون على أن هذه القوائم نادراً ما مثّلت معياراً مهنياً خالصاً، بل غالباً ما جاءت نتيجة صفقات محاصصة بين الأحزاب والكتل السياسية.
وقال تقرير ‘شفق نيوز’ إنه “في ظل نظام سياسي يقوم على التوازن الطائفي والعرقي والحزبي، تحوّلت المناصب الدبلوماسية، بما فيها موقع السفير، إلى جزء من نظام تقاسم النفوذ” الذي يدير مؤسسات الدولة”.
وتابع أنه “بموجب هذا التفاهم غير المعلن، تحصل كل كتلة أو حزب على نصيب من البعثات الدبلوماسية وتقوم بترشيح شخصيات مقرّبة منها، سواء كانت من داخل الحزب أو من الدائرة العائلية والموالين”.
وذكّر بأن قوائم السفراء كانت قد اثارت في دورات سابقة الكثير من علامات الاستفهام حول أسماء لا مؤهلات دبلوماسية لها ولم يسبق لها العمل في الحقل السياسي والدبلوماسي لا محليا ولا دوليا، مضيفا أن “بعضهم كان يُكافأ بمنصب سفير نتيجة الخدمة الحزبية، أو كترضية في إطار توزيع المناصب”.
وخلص إلى أن “ملاحظات ديوان الرقابة المالية ووزارة الخارجية نفسها تكررت على العديد من التعيينات، بسبب ضعف الخبرة أو عدم تطابق المؤهلات، لكنّ هذه الملاحظات غالباً ما كانت تُهمّش أمام سطوة القرار السياسي”.
وتعكس هذه الأزمة اتجاها عاما في العراق حيث يتم تقسيم المناصب الحكومية، بما في ذلك المناصب الحساسة كالسفراء، بين الأحزاب والكتل السياسية كجزء من اتفاقيات تقاسم السلطة. وهذا النظام غالبًا ما يضع الولاء الحزبي فوق الكفاءة والمهنية.
وعندما يكون السفراء معينين على أساس ولائهم الحزبي بدلاً من خبرتهم، فإن ذلك يمكن أن يؤثر سلبًا على صياغة وتنفيذ السياسة الخارجية للعراق. وقد يصبح السفراء أداة لتنفيذ أجندات حزبية ضيقة بدلاً من تمثيل المصالح الوطنية العليا.
ويمكن أن يؤدي هذا النظام إلى تفشي الفساد وتضارب المصالح، حيث قد يتم استخدام المناصب الدبلوماسية لتحقيق مكاسب شخصية أو حزبية، أو لتسهيل مصالح خاصة لأطراف معينة.
ومن المرجح أن يؤدي تعيين سفراء غير مؤهلين أو لديهم أجندات حزبية إلى ضعف الأداء الدبلوماسي للعراق في الخارج، وبالتالي تقليل نفوذه وتأثيره في المحافل الدولية.
وغالبًا ما يتشابك نظام تقاسم النفوذ مع المحاصصة الطائفية والإثنية في العراق، مما يعمق الانقسامات ويجعل بناء دولة المواطنة القائمة على الكفاءة أمرا صعبا.
وتثير مثل هذه الممارسات غضبًا شعبيًا واسعًا، حيث يرى العراقيون أن الموارد والمناصب تتقاسمها النخب السياسية على حساب تقديم الخدمات وتحقيق التقدم.