سياسة

الحوار الوطني العراقي بعد زيارة البابا فرنسيس


من أهم نتائج زيارة البابا فرنسيس إلى العراق أنها قامت بتحريك الوضع الجامد في العملية السياسية.

ودفعت رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى دعوة القوى السياسية والشبابية والمحتجين إلى الحوار الوطني، وتهيئة الأجواء الملائمة لإنجاح الانتخابات المبكرة وذلك لشعوره بالمسؤولية التاريخية لما أصاب العراق من كوارث من أجل الوصول إلى تطلعات العراقيين في العيش الكريم وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الشخصية الضيقة.  

 من البوادر المشجعة في هذا الحوار هو عدم استثناء الكاظمي للقوى السياسية وخاصة المحتجين الشباب والمعارضين. وكذلك التوصل إلى إطار للاتفاق النهائي بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان، بما يحفظ وحدة الأراضي العراقية.

  لا بد أنّ كلمة الحوار مُضافًا إليها “الوطني” أصبحت من المعادلات الصعبة في عراق اليوم، بسبب تعدّد الأحزاب السياسية والكتل والانقسامات التي تعاني منها بحيث تضاعفت الأحزاب وانشقت على بعضها البعض الآخر، وتولدت منها تيارات متعددة. تعني هذه الدعوة إلى الحوار الوطني الكثير في الوقت الحاضر، ولكن تجاوب النخب السياسية مع هذه الدعوة الأثيرة لا يزال مطمح عراقي عاج في الوقت الذي ما يزال مصطلح النخب السياسية غير واضح المعالم، ويمكن استبدالها بمراكز القوى المتحكمة بالقرار السياسي. لماذا؟ لأن هذه النخب أو القوى تمتلك قوة عسكرية أو تنظيمات مليشياوية تسعى إلى الإطاحة برئيس الوزراء والاستئثار بالسلطة. إنّ مصطفى الكاظمي جاء إلى السلطة بطريقة استثنائية أملتها ظروف الفراغ السياسي الذي ولده فشل سلفه عادل مهدي في إدارة السلطة ما أدى إلى الخوف من فقدان العملية السياسية برمتها خاصة وأنه بلا دعم عسكري أو حزبي، وهما حجر الزاوية في حكم العراق حاليًا، يُضاف إلى معضلة المحاصصة الطائفية.

ما جدية هذا الحوار الوطني؟ وما هي نتائجه على العملية السياسية؟

لا تقيم الأحزاب والقوى السياسية أي تقدير لمصطفى الكاظمي كونه لا ينتمي إلى أحد الأحزاب المؤثرة في الساحة السياسية التي لا تقيم وزنًا لرئيس وزراء مستقل لأنه لا ينتمي إلى حزبٍ أو تيّار سياسي مهيمن وفاعل ولا يمتلك أيّ قوة تنظيمية مدنية أو عسكرية مرتبطة بإيران. لذلك تبدو صعوبة الحوار مع الأحزاب والتنظيمات والكتل. ولعل مصطفى الكاظمي منذ تسلمه السلطة مشغول بعمل توازنات من شأنها أن تُنقذ العملية السياسية وتصل العملية السياسية التي فقدت بريقها إلى بر الأمان. ولكن أي حوار يبقى ناقصًا بدون التفاهم مع جميع القوى وخاصة ثوّار تشرين وتأثيرهم على الانتخابات المقبلة. وهذا ما يصطدم بنظام المحاصصة الذي من شأنه أن يوزع المناصب والوظائف العليا حسب الانتماءات. وتبقى نتائجه ناقصة ولا يؤدي إلى نتائج في صالح تطور العراق ومستقبله السياسي.

إنّ دعوة الحوار الوطني التي أطلقها مصطفى الكاظمي ليست الأولى من نوعها، لكن الواقع السياسي العراقي لم يكن يسمح بتحقيق هذا الهدف، وخاصة انعدام الثقة بين الطبقة السياسية والجمهور العراقي. ولا يزال الواقع السياسي محكوم بالتحكم العشائري ومبدأ الانتقام. وتدرك الطبقة السياسية أنها غير قادرة على تحقيق الاستقرار بموجب توجهاتها الطائفية.

لذلك ظلت دعوة الحوار الوطني في إطار النزعة البراغماتية الضيقة، ولم تتمكن من تجاوزها نفسها كشعار ليس إلا.

 إنّ عدم الاستجابة لحوار وطني حقيقي يهدف إلى مصادرة الدولة بكل أجزائها لمصلحة فريق واحد. كما أن الولاء إلى الجهات الأجنبية من شانه أن يفرض شروطه على هذا الحوار المزمع إجراؤه.

 إنّ الحوار الوطني يتطلب أسسًا حقيقية يقوم عليها، فهل العراق مهيأ لهذه الأسس؟

أدت هذه الدعوة إلى انقسام البيت الشيعي وكتله وأحزابه السياسية، فيما أعلن الأكراد إلى دعمهم لهذا الحوار. والسؤال المطروح هنا:

 لماذا انقسم الشيعة وأيد الأكراد هذا الحوار؟

إنّ قادة الشيعة حتى وإن دعوا إلى تأييدهم إلى الحوار فهم يقدمون الشروط المسبقة لذلك، وأهم التكتلات التي تتحكم بالمشهد السياسي هي: تحالف “عراقيون” بقيادة عمّار الحكيم، و”ائتلاف النصر” بقيادة حيدر العبادي، و”ائتلاف الفتح” بقيادة نوري المالكي و”الفتح” بقيادة هادي العامري، و”التيار الصدري” بقيادة مقتدى الصدر، وكل هذه الكتل السياسية لها تنظيماتها العسكرية والمليشياوية، وتتراوح مواقفها بين الصمت والتأييد.

ما هي الملفات التي سيناقشها الحوار الوطني:

إنّ أبرز الملفات هي الانتخابات وحصر السلاح وبناء الدولة والعلاقات الخارجيَّة. تقتضي الضرورة أنْ يكون الحوار بمشاركة خبراء وأكاديميين وأحزاب معارضة وأفراد من المجتمع المدني لأن اقتصار هذا الحوار على الأحزاب السياسيَّة والكتل الحاكمة سيفقد الحوار معناه وقيمته.

يبقى أن هذا الحوار بحاجة أولا وقبل كل شيء إلى تجاوز حالة الاحتقان في البلد خاصة في وجود سجناء ومهجرين وتظاهرات واعتصامات، لذلك لا بد من ترسيخ مبدأ حسن النيَّة وتهيئة التربة الخصبة لهذا الحوار المرتقب الذي سيبقى ناقصًا في ظل عدم محاسبة العصابات التي تزعزع استقرار العراق، وعلى الخصوص إعطاء الأقليات حقوقهم المشروعة.

 لا يزال تحديد موعد الحوار الوطني وآليات عمله غير واضح المعالم إلا أن القوى السياسية رحبت به، وتعاملت معه بإيجابية كبيرة لأن البقاء على هذه الحالة الجامدة من شأنه أن يعطل التطور الاقتصادي والقدرة على جذب الاستثمارات الخارجية إلا أن التمسك بالعملية السياسية الحالية وما نتج عنها من محاصصة طائفية لا يمكن أن يؤدي إلا إلى طريق مسدود.

 لعل من أهم ركائز هذا الحوار الوطني المفترض هو تشكيل حكومة انقاذ وطني بعيدًا عن الأحزاب والكتل والتيارات السياسية المتنفذة أي تشكيل حكومة كفاءات وطنيه ومهنية تحت إشراف دولي. ولا يوجد أمام العراق سوى العمل على إلغاء نظام المحاصصة، وكتابة دستور جديد، وحل البرلمان، وتشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة حول الجرائم المرتكبة في حق المتظاهرين السلميين. والأهم من كل ذلك، حصر السلاح في يد الدولة وحل جميع المليشيات المسلحة التابعة للأحزاب السياسية المتنفذة، وابعاد كافة عناصر الدمج الذين لا يحملون شهادة عسكرية رسمية. إذا لم يفض الحوار الوطني إلى هذه المخرجات، يبقى العراق يدور في حلقة مفرغة كما هو الحال منذ ما يرقب من عقدين من الزمان.

نقلا عن العين الإخبارية

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى