مجتمع

الترند: هل هو اضطراب نفسي أم تهديد للثقافات؟


شخصيات شهيرة، لا تجد حرجًا في الظهور على مواقع التواصل والتوسّل “كبّسولي”. وشخصيات مغمورة، لا تمانع في الحصول على الشهرة عبر الفضيحة.. الزوجان يتفقان على فبركة قصص الخيانة، لـ”إشعال الصفحات”، والنساء يلجأنَ إلى الإثارة، لتصدّر قوائم المتابعين.

إنه وباء “الترند”، كما يسميه البعض. هاجس الربح السهل والشهرة السريعة، الذي يُنتج قبائل كاملة من البلوغرات وصناع المحتوى، لينسفوا مفهوم النخبة، فيحل مكانه مفهوم الجمهور والثروة.

البعض يقول، إنه أمر مشروع، ومن نتائج تطورات التكنولوجيا. وآخرون يتهمون “الترند”، بتدمير الثقافة وتسطيحها. فالمتصدرون هنا ليسوا المفكرين والفلاسفة والفنانين والأدباء، بل “المطربات والخائنات وصناع الآثام والأكاذيب”، وفق قولهم.

وخلال الفترة السابقة، ألقي القبض على عدة بلوغرات من النساء والرجال، في عدة دول عربية، بتهمة المحتوى الهابط، كما اضطرت الحكومات إلى تشديد القوانين على مجانين “الترند” لأنهم تجاوزوا الخطوط الحمر كلها.

تدمير ممنهج

يرى الكاتب علي الراعي، أن ما يجري ليس بريئاً، بل هو جزء من مخطط لنشر التفاهة في العالم. ويضيف: “الترند أصبح موضة قاصمة لظهر المبادئ والأخلاق والأفكار العميقة”.

وسمى الناقد المصري، محمد عبد الرحمن، ما نعيشه اليوم بالفتنة الثقافية والحضارية. وأضاف “أصحاب الأقلام الجادة، بدؤوا يتراجعون، ليتصدّر صناع المحتوى القادرون على اعتلاء الترند وجذب الجمهور للمتابعة، حتى لو قدموا مواضيع غير مختصين بها”.

ويشير عبد الرحمن إلى أن “أولئك يستفيدون حتى من الأخطاء العلمية التي يقعون فيها، فيحولون سخرية المتابعين في التعليقات، إلى ترند جديد يجذب المزيد من الجمهور”.

نرجسية وأمراض نفسية

الشاعرة والمترجمة فاطمة خضرا، أرجعت “الترند” إلى نرجسية الإنسان وحبه للشهرة والثروة، كحالة مرضية مبالغ بها. تقول فاطمة “في زمن السوشيال ميديا، صار من السهل تسويق ثقافة الترند، المراهنة على اضطراب الشخصية وغرامها بأن تكون محط أنظار آلاف البشر”.

وترى فاطمة، أن “الترند”، من شأنه أن يفاقم الأمراض النفسية، ويغذيها بالكاميرات والفلاتر المحسنة للبشرة، حيث يرتفع عدد المعجبين، ويزداد الرصيد البنكي للشخص، نفسيًّا وماليًّا.

الخبرات التقنية والمعدات

ويشير الناقد عبد الرحمن، إلى أن البلوغرات وصناع المحتوى، يطمحون لأن يحلوا مكان الكتاب والمفكرين، مستفيدين من خبراتهم التكنولوجية وتوفر المعدات لديهم. ويضيف “يجب على المثقفين عدم التراجع والانعزال وترك الساحة لهؤلاء. فإقامة ندوات لا يحضرها سوى العشرات، لن يوقف منشورات السوشيال ميديا التي يحضرها المئات والآلاف. لذلك يجب إتقان أساليب السوشيال ميديا وعدم الانعزال”.

ويشير الراعي إلى قاعدة الترند غير الأخلاقية، التي تربط كسب المال بعدد المعجبين، ويقول إنها تتطابق مع مبدأ “الغاية تبرر الوسيلة”، المرفوض أخلاقياً وإنسانياً.

ويقترح عبد الرحمن على المثقفين، دخول المواجهة، وتقديم محتواهم الجاد بأسلوب شيق يناسب السوشيال ميديا، ويقول “إذا كان المثقفون لا يملكون الكاريزما التي تؤهلهم لكسب الجمهور على السوشيال ميديا، فيمكنهم الاعتماد على أشخاص يجيدون ذلك، فالجمهور يقبل المحتوى الثمين، شرط تقديمه بطريقة تناسب السوشيال ميديا”.

ويرى الكاتب علي الراعي أن الثقافة العربية اليوم، أمام امتحان خطير ومواجهة صعبة، فإما أن تطور أدواتها، وتقتحم المنصات بقوة، وإما أن تنكفئ أمام الهشاشة التي يتم تسويقها في العالم أجمع.

وتؤكد التجارب العالمية، تاريخياً، أن الأفكار العظيمة تحتاج أساليب عظيمة كي تنتصر. ويتفق الجميع أن الثقافة العربية لا بد أن تلتقط الأنفاس وتشحذ الأدوات، كي تستعيد المواقع التي خسرتها في المعارك السابقة.

تابعونا على
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى