منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين والنظام الحاكم في قطر يمارس حملة إعلامية شرسة على النطاق العالمي، ضد جميع دول العالم العربي، خاصة جيران وشركاء قطر الأقربين في مجلس التعاون الخليجي. وبخبث ودهاء كانت الحملة الإعلامية مستترة في بداية الأمر، وتتوارى خلف قضايا وشعارات ومبررات حاولت أجهزة النظام ومرتزقته من الغرباء إيهام الملتقي لها بأنها لا تعكس أفكار ومواقف من يسيطرون على النظام، خاصة من عرفوا «بالحمدين»، بل إن ما يبث هي أفكار من يطلقونها وحدهم، تلك الحملة ركزت في بداية الأمر على الرغبة في نشر الديمقراطية والسلام والعدل والمساواة في العالم العربي، وكأن من يحكمون في قطر هم الذين أوجدوا هذه المفاهيم، وهم مصدرها ومنبعها الأساسي متناسين أو مغمضين أعينهم ومغلقين عقولهم عن أن بلادهم من أشد دول العالم تخلفاً على هذه الأصعدة وأن هذه الحملات الإعلامية والشعارات هي عكس ما يحدث في قطر جملة وتفصيلاً. ولإيصال منظومة من الأفكار المغلوطة والزائفة التي لا تمت إلى الواقع والحقيقة القطرية في شيء، أنشأ النظام القطري منظومة من المؤسسات والأجهزة الإعلامية المتخصصة في الكذب والنفاق، لكي توصل مثل تلك الأفكار إلى المتلقين، وأولها قناة «الجزيرة» التلفزيونية المشبوهة التي يشرف عليها ويديرها منذ بداية الأمر من يسمونه حالياً «بالأمير الوالد»، من مكتب خصصه لنفسه في مقر السفارة القطرية في واشنطن، ويتردد عليه بين الفترة والأخرى، وخصص للإنفاق عليها مئات الملايين من الدولارات، ووظف لها مجموعة الخبراء الإعلاميين والمذيعين والمحللين السياسيين الذين تم استقطابهم من مختلف دول العالم العربي، وينتمي معظمهم إلى فكر «الإخوان» ويدورون في فلكه. والغريب في الأمر أن المنظومة الإعلامية التي تديرها أجهزة النظام الحاكم وتوجهها إلى الخارج متناقضة تماماً مع السلوكيات التي يمارسها النظام في داخل قطر ذاتها، وتتضح من ممارسات التضليل والتعتيم ضد المواطن القطري، فهو مغيب في الداخل عن جميع قضاياه، خاصة تلك المرتبطة بإنفاق المال العام الذي يهدر على قضايا خارجية وبشر غرباء ليس له علاقة بهم ولا بالقضايا التي يطرحونها لا من قريب أو من بعيد. وبالتمعن في هيكلية قناة «الجزيرة» مثلاً من حيث الإدارة والإعلاميين والمذيعين ومعدي البرامج والمخرجين والمحللين السياسيين، نلاحظ غياب العنصر القطري المواطن عنها، إلا في ما ندر.
ما نفهمه من الممارسات الإعلامية لقطر تجاه الدول العربية كافة ومواطنيها – وهي بالمناسبة ممارسات موجهة في هذه المرحلة على نطاق العالم أجمع بغرض الإساءة المتعمدة للإنسان العربي – أن من يحكمون قطر يريدون أن يبرزوا للعالم الخارجي ولمحيطهم الإقليمي أنهم يحكمون قطباً إقليمياً قادراً له أهميته وتأثيره العالمي، وكأن هذا البلد ليس هو قطر الدولة الصغيرة ذات المساحة الضيقة والشعب قليل العدد والإمكانيات الاقتصادية المحدودة التي لا تتعدى إنتاج الغاز والنفط وتصديره إلى الخارج، ثم بعد ذلك تبديد عوائده وأمواله على قضايا خارجية لا تفيد الإنسان القطري في شيء سوى استجلاب المشاكل والأزمات المالية.
والأغرب من ذلك هو أن ما ينفقه النظام الحاكم في قطر حالياً على الإعلام الخارجي يتعدى المعقول ويصل إلى المليارات التي تعادل ميزانيات دول، في مقابل عائد سياسي وإعلامي لا يساوي شيئاً، فمن متابعة السياسة الإعلامية القطرية نجد تركيزاً مكثفاً على انتقاد دول المقاطعة العربية والإساءة إليها وإلى رموزها وشعوبها من زاوية تناول قضايا تافهة وأمور جانبية لا تكاد العامة من الجماهير ملاحظتها لولا التناول المشبوه الذي تقوم به أجهزة الإعلام القطرية المأجورة، وأجهزة إعلام خارجية مدفوعة الثمن ومضللة، التي إما تنتمي إلى الحكام الحاليين لقطر مباشرة كقناة «الجزيرة» التي هي بوق أجوف ومصدر للأنباء المفبركة والأكاذيب، وإما من خلال أجهزة مدفوعة الأجر بمبالغ باهظة جداً تبث من إيران أو لبنان تابعة لـ«حزب الله» اللبناني، أو غيرها من الدول التي تناصب دول المقاطعة العداء أو تسير في الفلك الإيراني والقطري و«حزب الله»، أو من دول أجنبية فيها هامش يستغله النظام الحاكم في قطر أبشع استغلال ممكن. وللحديث صلة.