الإرهاب بين تنظيمين.. داعش والحمدين
لم يجد المحلل العسكري لصحيفة التليجراف “كون كوجلين” طريقة أفضل من التهكم والسخرية، تعليقا على المفارقة المضحكة المتمثلة في منح شرف تنظيم كأس العالم لكرة القدم لدولة حاضنة للإرهاب وممولة له ومولعة بداعم تنظيماته، حيث لخص هذا المشهد في مقال له بالصحيفة البريطانية الشهيرة في أغسطس الماضي بقوله “إن إحدى أهم المباريات في مونديال قطر 2022 سيكون طرفيها تنظيما “داعش والقاعدة”.
هذا التعليق وإن بدا ساخرا إلا أنه لم يكن مفاجئا، وكان معبراً عن الواقع إلى حد كبير، فاسم قطر أصبح مقترنا في معظم الوقت بالإرهاب، وهو ما دفع المحللين والمتابعين إلى المقارنة بين الممارسات الإرهابية لتنظيمين متشابهين إلى حد كبير، هما “تنظيم الحمدين” من جانب وتنظيم “داعش” وبقية التنظيمات الإرهابية التي على شاكلته من جانب آخر، وعلى الرغم من وجود العديد من القواسم المشتركة وأوجه التشابه بين التنظيمين من حيث حجم الضرر والخراب الذي ألحقاه بالعالم وشعوبه، إلا أن المقارنة هنا قد تنتصر لتنظيم الحمدين، كون تنظيم داعش مجرد أداة في يد التنظيم الأم الذي يعد المحرك الرئيسي الذي يقف وراء معظم التنظيمات الإرهابية والمتطرفة ويقوم بتوجيهها وتسييرها بما يتماشى مع أهدافه. وسواء كان الحديث هنا عن تنظيم داعش أم القاعدة أم الإخوان المسلمين أم غيرها من جماعات التطرف في الشرق الأوسط، إلا أنها تظل في النهاية مجرد مسميات تتغير من وقت لآخر على عكس المصدر الذي يعد ثابتاً ولا يغير التوجه.
والحقيقة أن لجوء قطر إلى الاعتماد على وسائل وأساليب منبوذة وغير مشروعة مثل الإرهاب وإشعال الاضطرابات داخل الدول، سواء كان بهدف تعزيز النفوذ أم الانتقام أم الابتزاز أم غيرها من الأهداف غير المشروعة لم يجد نفعا حتى الآن، ولكن التساؤل الذي لا يزال محيرا هو: لماذا يصر تنظيم الحمدين على السير في المسار نفسه دون تغيير على الرغم من ثبوت إخفاقه في تحقيق المأمول منه، ورغم أيضا ما ترتب على هذا الإخفاق من خسائر يدفع تكلفتها الشعب القطري في المقام الأول؟ هل هي المكابرة أم أنه نمط تفكير وأسلوب حكم يفتقر للمرونة وينكر الواقع ويعجز عن التعامل مع الحقائق ويسير عكس عقارب الساعة؟
لقد تراجعت وتيرة العمليات الإرهابية، وفقدت العديد من التنظيمات التي كانت تراهن عليها قطر طوال السنوات الماضية نفوذها، وذهبت الأموال الطائلة التي أنفقتها على أذرع الإرهاب دون جدوى، فهل ستعترف قطر بالهزيمة؟ وهل سيتراجع حكامها عن تطلعاتهم غير المشروعة وغير المنطقية؟ أعتقد أن هذا غير وارد، بل إن الاحتمال الأكثر ترجيحا هو سعي تنظيم الحمدين إلى البحث عن سبل مبتكرة لتمكين جيل جديد من التنظيمات الإرهابية إذا ما فشلت جهوده في دعم التنظيمات الإرهابية التقليدية في إعادة بناء قوتها والدخول بها إلى ساحة الرهان من جديد، لا سيما في الوقت الذي يبدو أن دعم الإرهاب أصبح بمثابة الطريق السهل الذي يسلكه تنظيم الحمدين لتحقيق أهدافه، وهو ما جعل المجتمع الدولي يقف في حيرة، خاصة أن سبل مواجهة التنظيمات الإرهابية مهما بلغت درجة قوتها ونفوذها أصبحت معروفة ومتفقا عليها، لكن يظل ما هو غير معروف ولا متفق عليه هو كيفية مواجهة الدول الراعية للإرهاب.
لقد أثبت تنظيم الحمدين أن تحول الدول إلى تنظيمات إرهابية يظل أمرا واردا، فقد حول الحمدين قطر إلى تنظيم إرهابي بامتياز. ومن هنا لا بد أن تتخذ ضده ما يتخذ ضد التنظيمات الإرهابية من إجراءات عقابية، ويخاطب مخاطبة التنظيمات الإرهابية لا الدول التي تحظى باحترام ومصداقية، وهذا إذا ما تم سيكون أفضل عقاب لتنظيم الحمدين الذي لم تجدِ أمواله الطائلة التي ينفقها على مؤسسات تحسين صورته في المجتمع الدولي نفعا، ولم تحصد إلا سوءاً وضررا. فما تقوم به هذه المؤسسات وأبواق الإعلام المملوكة للتنظيم كالجزيرة لم يكن سوى محاولات فاشلة لإخفاء الحقيقة المؤلمة، ولعل أبرز دليل على ذلك ما كشفت عنه وسائل الإعلام الدولية من وساطة قطرية في صفقات تسليم المختطفين من قبل التنظيمات الإرهابية، وعلى الرغم من استخدام التنظيم القطري هذه التحركات في محاولة لإثبات تعاونه مع المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب واسترداد المختطفين، إلا أن السحر انقلب على الساحر، فظهر جليا أمام العالم العلاقة الوطيدة التي تربط بين تنظيم الحمدين وبقية التنظيمات المتطرفة، وتكشف الهدف الأساسي ممثلا في السعي لاستخدام “أموال الفدية” في دعم التنظيمات الإرهابية. ولم ينجح أيضا التخفي وراء ستار دعم الحريات الذي تروج له قناة “الجزيرة”، أو التستر وراء دعم الأنشطة الخيرية في صرف النظر عن حقيقة هذا الدعم، والذي كشفت عنه العديد من التقارير التي أثبتت بالدلائل تورط الدوحة في استخدام الأنشطة الخيرية في دعم وتمويل التنظيمات الإرهابية.
إن سلوكيات تنظيم الحمدين خلال السنوات الماضية وحتى الآن جعلت النظام المصدر الأساسي لمفاهيم جديدة في الإرهاب، وعلى رأسها مفهوم “الدولة الإرهابية”، ويقصد به الدولة الداعمة والممولة للإرهاب، والذي على أثره تحول النظر إلى التنظيمات الإرهابية بوصفها ذراعا للدولة تحاول استغلالها في تحقيق أهدافها خلف الكواليس بينما يقف مسؤولها ينددون بالعنف والإرهاب، ويروجون لجهود لا وجود لها في مكافحة الإرهاب، فنجد وزير خارجية قطر يعلن استضافة الدوحة لاجتماع إقليمي لمواجهة تنظيم داعش، ويؤكد حرص تنظيمه على الحضور في كافة المحافل الدولية التي تعقد لمكافحة الإرهاب، والحديث عن جهود وهمية في مكافحة الإرهاب، ربما كان هذا الترويج يجدي نفعا في الماضي عندما كان يمكن إخفاء الحقائق أو طمسها، ولكن اليوم وفي زمن العولمة وسرعة انتشار المعلومات تلاشت مصداقية النظام وأصبح مثارا للتندر والسخرية.
نقلا عن العين الإخبارية