الإخوان وإيران.. تحت عباءة الخميني
قبيل اندلاع الثورة الإيرانية، التقى وفدٌ من جماعة الإخوان من أكثر من بلد عربي، مع الخميني في باريس، بعد التنسيق مع أبو الحسن بني الصدر (أول رئيس لإيران بعد الثورة الإيرانية) وكان منهم راشد الغنوشي أحد ممثلي وفد إخوان تونس.
ومع انطلاق الثورة في العام 1979، والإطاحة بحكم الشاه، ظهر في طهران الرجل الذي كان يحرّض ويرسل “الكاسيت” بصوته من باريس إلى طهران، لإدارة الثورة في ذلك الوقت، وعندما نزل الخميني من الطائرة سأله أحد الصحافيين: ما هدف ثورتكم؟
فقال الخميني: “لقد حكم هذه المنطقة، الأتراك لعدة قرون والأكراد لعدة قرون، والعرب لعدة قرون، وآن للفرس أن يحكموها لقرون طويلة”.
وعلى الرغم من النوايا المعلنة لقائد الثورة الإسلامية، والتي أظهرت تحديها للعرب، كانت فرحة الإخوان كبيرة جداً بنجاح أول ثورة إسلامية في المنطقة، حتى رفعت جمعيات الإخوان في الولايات المتحدة الأمريكية صوراً للخميني، وسافر وفد من الجماعة إلى طهران لتهنئة الخميني بهذا النصر.
والقرضاوي نفسه في كتابه “أمتنا بين قرنين”، اعتبر انتصار الثورة الإيرانية من ثمرات “الصحوة الإسلامية”؛ حيث يقول : “لقد أقام الخميني دولة للإسلام في إيران، وكان لها إيحاؤها وتأثيرها على الصحوة الإسلامية في العالم، وانبعاث الأمل فيها بالنصر”.
ونظر الإخوان إلى صعود الجمهورية الإسلامية، باعتبارها نصراً لرؤيتهم، وأول حكم إسلاميٍّ منذ انهيار الخلافة العثمانية؛ حيث أيدت الجماعة الثورة الإسلامية منذ اندلاعها؛ لأنها قامت ضد نظام حكمٍ “علماني”، حكم الشاه رضا بهلوي، كما أنّ إيران بدورها نظرت إلى جماعة الإخوان المسلمين بوصفها وسيلة لتصدير الثورة.
وكان المرشد العام الثالث للإخوان المسلمين عمر التلمساني، كتب مقالاً في العدد 105 من مجلة “الدعوة” في تموز (يوليو) 1985 بعنوان (شيعة وسنّة) قال فيه: إنّ “التقريب بين الشيعة والسنة واجب الفقهاء الآن … وبعيداً عن كل الخلافات السياسية بين الشيعة وغيرهم، فما يزال الإخوان المسلمون حريصين كل الحرص على أن يقوم شيء من التقارب المحسوس بين المذاهب المختلفة في صفوف المسلمين”.
وعند وفاة الخميني في العام 1989، أصدر المرشد العام لجماعة الإخوان، حامد أبوالنصر، نعياً تضمن الكلمات التالية: “الإخوان المسلمون يحتسبون عند الله فقيد الإسلام الإمام الخميني، القائد الذي فجر الثورة الإسلامية ضد الطغاة”.
وكان وزير الخارجية الإيراني الأسبق والمستشار الأول للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، علي أكبر ولايتي أكد في ندوة عن “الحوزة الدينية والصحوة الإسلامية” عقدت في مدينة مشهد الإيرانية “أنّ الإخوان المسلمين هم الأقرب إلى طهران بين كافة المجموعات الإسلامية”.
وفيما بعد، أصبحت زيارات أعضاء مكتب الإرشاد لطهران متكررة، حتى ظهر في أحد اللقاءت على التلفزيون الإيراني، بعد ثورة 25 يناير المصرية، القيادي في التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، كمال الهلباوي، وهو جالس بجوار خامئني يمتدح الخميني والنظام الإيراني في تواضعه واحترامه لأهل السنة وحقوق الإنسان.
وقبلها في العام 2008، صرح المرشد السابع للإخوان المسلمين مهدي عاكف، بتأييده للتقارب مع إيران، قائلاً: “أرى أنّه لا مانع في ذلك، فعندنا 56 دولة فى منظمة المؤتمر الإسلامى سنية، فلماذا التخوف من إيران وهي الدولة الوحيدة في العالم الشيعية، أليس حسن نصر الله شيعياً، ألم يؤيده الناس في حربه ضد إسرائيل في صيف 2006”.
وفي نهاية العام نفسه، كشف الأمن المصري عن خلية تابعة لحزب الله، هدفت لزعزعة الأمن في مصر، انبرى فيها قيادات الإخوان للدفاع عن الحزب ومنهم مرشد الجماعة آنذاك، محمد مهدي عاكف، وفي هذا السياق أعرب حينها عضو المجلس السياسي في “حزب الله”، خصر نور الدين، عن شكره لعاكف، لموقفه تجاه المقاومة اللبنانية في هذه القضية ودفاعه عن الحزب، معتبراً هذا الموقف “شهادة من شخص صادق بعيد عن أي مصلحة شخصية”.
وفي كتاب صدر عن دار جداول للنشر 2013، “الإخوان المسلمون وإيران.. الخميني – خامنئي” للباحث السوري محمد سيد رصاص، يتحدث فيه عن جذور العلاقة بين جماعة الإخوان والجمهورية الإيرانية الإسلامية، قبل الثورة الإسلامية وبعدها، يسوق رصاص، معلومة مثيرة وصفها بأنّها تنتمي لـ”العالم الشفوي”، للمعارضة السورية آنذاك؛ حيث تناقلت أخبار أنّ وفد الإخوان، الذي زار إيران بعد انتصار الثورة 1979، قد طرح على الخميني مبايعته “خليفة للمسلمين”، مقابل إعلان الخميني أنّ خلافات الصحابة حول “الخلافة”، و”الإمامة” هي “خلافات سياسية، وليست إيمانية”، وتقول الرواية أنّ الخميني تريث ووعدهم بالإجابة لاحقاً، وعندما صدر الدستور الجديد للجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي يقول بـ”المذهب الجعفري مذهباً رسمياً، وبولاية الفقيه نائباً عن الإمام الغائب”، كان من الواضح ما هي إجابة الخميني.
ورغم رفض الخميني لعرض الوفد، إلا أنّ الإخوان كانوا مستمرين في تأييد الحكم الإيراني الجديد، فقد سيروا تظاهرات كبرى ضد استضافة الرئيس السادات شاه إيران في مصر، ثم أيدوا إيران في حربها ضد العراق، وفي عدد مجلة “كرسنت” الكندية، بتاريخ 6 كانون الأول (ديسمبر) 1984، يقول المرشد العام للجماعة عمر التلمساني: “لا أعرف أحداً من الإخوان المسلمين في العالم يهاجم إيران”.
أخيراً يشرح رصاص في كتابه، أنّ العلاقة بين الجماعة والدولة الإيرانية، لا يمكن أن تكون مبنيةً على الجانب السياسي فحسب؛ بل على أسسٍ فكريةٍ متداخلةٍ مع السياسة، وهذا ما يفسر صمود العلاقة التي واجهتها الكثير من الرياح والعواصف.
نقلا عن حفريات