أين ذهب سور برلين بعد سقوطه؟ رحلة الجدار الذي قسّم التاريخ
في ٩ نوفمبر/تشرين الثاني 1989، سقط سور برلين لكن قصته لم تنتهِ عند هذا الحد.
وتحتفل ألمانيا اليوم بمرور 36 عاما على سقوط سور برلين الذي كان رمزا شهيرا لانقسام البلاد ومع ذلك لا تزال أجزاء منه موجودة حول العالم، حتى في أماكن غريبة حيث يروي كل جزء قصته الخاصة.
وعلى مدار 28 عاما فصل السور برلين الغربية وهي جيب معزول تابع لجمهورية ألمانيا الاتحادية عن برلين الشرقية، التابعة لجمهورية ألمانيا الديمقراطية وذلك وفقا لما ذكرته شبكة “دويتش فيله” الألمانية.
وأوضحت الشبكة أن السور بدأ بناؤه عام 1961 بأوامر من القيادة الشيوعية لجمهورية ألمانيا الديمقراطية، عقب فرار ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص إلى الغرب بسبب الاقتصاد المتعثر والحريات المحدودة والرقابة الحكومية.
ولمنع المزيد من الانشقاق إلى الغرب، بنت حكومة ألمانيا الشرقية نظامًا معقدًا من الحواجز والعقبات وأبراج الحراسة على طول الحدود التي يبلغ طولها 155 كيلومترًا.
ورغم أنه كان من المفترض أن يكون السور منيعًا، تمكن حوالي 5 آلاف شخص من ألمانيا الشرقية من عبوره على مر السنين في حين قُتل ما لا يقل عن 100 شخص حاولوا الفرار إلى جانب عدد من حرس الحدود والمارة.
ومع انهيار الاتحاد السوفياتي في أوروبا الشرقية، سقط سور برلين في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1989 وبعد نحو عام تم إعادة توحيد ألمانيا.
واليوم، لم يبقَ من السور سوى أجزاء قليلة قائمة في برلين أطولها هو معرض الجانب الشرقي الشهير، بهيكله الخرساني المطلي الذي يمتد لمسافة 1.3 كيلومتر ويمكن العثور على جزء آخر في النصب التذكاري للسور.
وعند سقوطه كان سكان برلين حريصين على تفكيك هذا البناء القمعي في أسرع وقت ممكن وفي الوقت نفسه، حرص الأفراد والحكومات والمؤسسات حول العالم على اقتناء أجزاء منه مثل الولايات المتحدة.
ووفقًا لتقديرات المؤسسة الاتحادية لدراسة الديكتاتورية الشيوعية في ألمانيا الشرقية، تمتلك الولايات المتحدة أجزاءً من السور أكثر مما تمتلكه برلين.
وقالت مديرة المؤسسة، آنا كامينسكي “بصفتها أحد المنتصرين، لعبت الولايات المتحدة، بالطبع، دورًا رئيسيًا في تقسيم ألمانيا”.
وأضافت “كان الجدار موضوعًا تناوله جميع الرؤساء الأمريكيين تقريبًا في السياسة الخارجية.. لقد كان في الأساس قضيةً عاطفيةً للولايات المتحدة، وخاصةً للجنود الأمريكيين المتمركزين في برلين.”
وسواء أمام مقر وكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) في لانغلي أو في حمام الرجال في لاس فيغاس أو بجوار المبنى الرئيسي للأمم المتحدة في مدينة نيويورك يمكن العثور على سور برلين في جميع أنحاء الولايات المتحدة.
كما تنتشر أجزاء من السور في جميع أنحاء العالم، من نيوزيلندا إلى أيسلندا، ومن إندونيسيا إلى تشيلي وحددت المؤسسة الألمانية 57 دولة (إلى جانب ألمانيا) تضم قطعةً واحدةً على الأقل ولكل منها قصتها الخاصة.
في كوريا الجنوبية، حيث يمكن الشعور بالروابط مع التاريخ الألماني بسبب انفصال البلاد عن الشمال، توجد قطع من الجدار في 6 مواقع مختلفة، بما في ذلك دوراسان، أقصى نقطة شمالية لشبكة السكك الحديدية على طول الحدود مع كوريا الشمالية.
وفي 2015، وفي محطة القطار هناك، انضم الرئيس الألماني آنذاك يواخيم غاوك إلى ممثلي الحكومة في افتتاح “منصة التوحيد” وكشف النقاب عن جزء من السور ولوحة تذكارية تدعو إلى “بناء كوريا موحدة ومساعدة العالم على أن يصبح أكثر سلامًا”.
وفي بعض دول الكتلة الشرقية السابقة تحظى قطع السور بأهمية خاصة، إذ ترمز إلى الديمقراطية التي تحققت بشق الأنفس وهو ما ينطبق على بلغاريا، حيث طلبت بلدية العاصمة صوفيا من مجلس شيوخ برلين قطعة من السور عام 2006 وهي موجودة الآن بجوار النصب التذكاري لضحايا الشيوعية.
ومثل السور الحقيقي فإن القطعة الموجودة في صوفيا باهتة ورمادية ومع ذلك، فقد تم طلاء أجزاء أخرى أو تم وضع عليها رسومات جرافيتي تحمل رموز السلام والصداقة.
ورسم الفنان الفرنسي تييري نوار على السور في برلين الغربية رسومات كبيرة الحجم حتى قبل سقوطه لكنه ترك بصمته لاحقًا على بعض أجزائه.
ولدى هايدي كلوم، رئيسة برنامج “عارضة الأزياء الألمانية القادمة”، قطعة من السور في فناء منزلها بكاليفورنيا كانت هدية من زوجها، المولود في ألمانيا الشرقية.
وبعد سقوط السور، كلفت الحكومة الانتقالية لجمهورية ألمانيا الديمقراطية آنذاك شركة عامة ببيع ما تبقى منه لتحقيق ربح وتعاونت هذه الشركة بدورها مع وكالة في برلين الغربية وقررا معًا طلاء هذه القطع لتعزيز جاذبيتها ورفع أسعار بيعها وهو ما أثار احتجاجات تتعلق بأرواح الضحايا الذين سقطوا هناك.
ويمكن العثور على عمل فني ينتقد هذه الممارسة في مدينة تروندهايم النرويجية حيث وضعرسم الفنان لارس أو. رامبرغ كلمة “بيع” على قطعة من السور.
وفي السنوات العشر الماضية، انخفضت طلبات الحصول على قطع من الجدار بشكل ملحوظ وقالت آنا كامينسكي “لقد استمر التاريخ، واختلفت السياسات العالمية.. لقد تراجع الأثر الرمزي للجدار على مر العقود. وهو يفقد مكانته كرمز بشكل متزايد”.
ويرى البعض أن لهذا جوانب إيجابية أيضًا لأن السور يظل رمزًا للديكتاتورية.







