أي يد تكتب بها؟ العلم يربط بين اليد المسيطرة والحالة النفسية

لكل شخص يدٌ مهيمنةٌ يُفضّلها بطبيعته عند القيام بمهام أساسية كالكتابة أو الأكل أو سحب الأشياء.
بالنسبة للأغلبية، اليد اليمنى؛ وللآخرين، اليسرى، أو في بعض الحالات كلاهما.
ومن المثير للاهتمام أن هذا التفضيل البسيط والطبيعي لليد المهيمنة يُمكن أن يُقدّم رؤى جوهريةً حول الصحة النفسية، بل وقد يرتبط ببعض الحالات النفسية السريرية.
-
لماذا يؤثر تأخير النوم على حالتك النفسية؟
-
المخللات واللبن المخمر: هل هي حقا الخيار الأمثل لصحة جيدة؟
وكشفت دراسة نشرت في مجلة النشرة النفسية، أن الأشخاص الذين لا يستخدمون اليد اليمنى، أي الذين يستخدمون اليد اليسرى أو المختلطة، مثل الذين يستخدمون كلتا اليدين اليمنى واليسرى، هم أكثر عرضة لإظهار ظروف صحية عقلية أو عصبية نمائية .
وفحصت الدراسة بيانات الأشخاص، ونظرت إلى صحتهم العقلية واضطرابات النمو العصبي لديهم، إلى جانب تفضيلاتهم لليد المهيمنة، سواء كانوا يستخدمون اليد اليمنى أم اليسرى أم الاثنتين.
-
الحمى النفسية: الأعراض الخفية التي قد تؤثر على حياتك اليومية
-
“مضغ الخشب”.. بديل صحي للعلكة يعزز الذاكرة ويحمي الخلايا
وأثبتت نتائج الدراسة وجود صلة، فالأشخاص المصابون بحالات مثل التوحد، والفصام، واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، والإعاقة الذهنية، كانوا أكثر عرضة بمقدار مرة ونصف لعدم استخدام اليد اليمنى.
علاوة على ذلك، لا يقتصر الأمر على استخدام اليد اليسرى فحسب.
في الواقع، أظهر الأشخاص الذين يستخدمون كلتا اليدين خطرًا أكبر للإصابة بهذا النوع من اضطرابات الصحة العقلية والنمو العصبي.
-
الشيخة فاطمة تطمئن هاتفيا على الحالة الصحية للطفلة شام وشقيقها عمر
-
الخداع البصري النفسي.. كيف تجعل متلازمة نادرة أحبّاءك غرباء؟
لماذا يحدث هذا؟
أظهرت الدراسة كيف ترتبط اليد المسيطرة ارتباطًا جوهريًا بكيفية تنظيم الدماغ، وينطبق هذا بشكل خاص على مناطق الدماغ التي تُنظّم المهارات الحركية واللغوية.
وتعتمد معظم الحالات النفسية في المقام الأول على كيفية عمل مناطق الدماغ، وبشكل عام، على كيفية توصيل الدماغ.
حيث يمكن لليد المسيطرة (أو اليدين، في حالة الأشخاص الذين يستخدمون كلتا يديهم) أن تكشف الكثير عن هذا الأمر.
-
مصاب بشلل رباعي يلعب الشطرنج بفضل “شريحة الدماغ
-
الدماغ الثاني في جسدك.. كيف يؤثر جهازك الهضمي على مزاجك وسعادتك؟
وأوضحت الدراسة كيف أن هذا الارتباط أقوى في الحالات النفسية التي تبدأ في مرحلة مبكرة من الحياة، مثل عُسر القراءة، والتوحد، واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
وهذا منطقي لأن الطفولة هي المرحلة التي يطور فيها الشخص عادةً يدًا مهيمنة، وهناك تشابه بين كيفية اختيار الشخص ليده المهيمنة وكيفية تأثير هذه الحالات على نمو الدماغ، ما يشير إلى أن نمو الدماغ في ظل هذه الاضطرابات يؤثر أيضًا على اليد التي يستخدمها الشخص في أنشطته اليومية.
لكن هذا ليس مدعاةً للقلق، فكون الشخص لا يستخدم يده اليمنى لا يعني بالضرورة إصابته باضطراب نفسي.
-
شريحة دماغية جديدة تفتح أفق الأمل لمرضى الاكتئاب
-
الزواج بعد الستين: كيف يساهم في حماية القلب وفق الأبحاث الحديثة؟
في الواقع، هو مؤشر بسيط يُظهر كيفية تطور الدماغ، وتفضيل اليد ليس إلا مؤشرًا، وليس تشخيصًا.
يتقاسم نحو 10% من البشر سمة واحدة، هي استخدام اليد اليسرى، فيما ركزت دراسة حديثة على السبب الذي يجعل الإنسان أعسر.
وتُلقي دراسة جديدة الضوء على المكون الوراثي المسؤول عن استخدام بعض الأشخاص اليد اليسرى.
وحدد باحثون طفرات نادرة من جين له دور في تحديد شكل الخلايا، ووجدوا أنها أكثر شيوعا بنحو 2.7 مرة في الذين يستخدمون اليد اليسرى، بحسب وكالة “رويترز”.
وفي حين أن هذه الطفرات الجينية لا تمثل سوى جزء صغير، ربما 0.1%، من الأسباب المسؤولة عن استخدام اليد اليسرى، قال الباحثون إن الدراسة تظهر أن هذا الجين المسمى (تي.يو.بي.بي4بي) قد يلعب دورا في تطور ما يُعرف بعدم تناظر الدماغ، وهو الأمر المسؤول عن تحديد اليد المهيمنة.
عدم تناظر الدماغ
ويكون لشطري الدماغ عند معظم البشر تركيب تشريحي متباين قليلا، وهما مسؤولان عن وظائف مختلفة.
وقال كلايد فرانكس، العالِم المتخصص في علم الأعصاب الحيوي بمعهد ماكس بلانك لعلم النفس اللغوي في هولندا، ومن المعدين الرئيسيين للدراسة .التي نشرت الثلاثاء الماضي في دورية نيتشر كوميونيكيشنز: “على سبيل المثال، يهيمن الفص الأيسر من الدماغ على اللغة عند معظم البشر. بينما يتولى الفص الأيمن المهام التي تتطلب توجيه الاهتمام البصري إلى مكان ما”.
وأضاف: “عند معظم الناس أيضا، يتحكم نصف الدماغ الأيسر في اليد اليمنى المهيمنة. وتعبر الألياف العصبية ذات الصلة من اليسار إلى اليمين في الجزء السفلي من الدماغ. وفي الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى، يتحكم النصف الأيمن في اليد المسيطرة”.
والسؤال: ما الذي يجعل عدم تناظر الدماغ يتطور بشكل مختلف عند مستخدمي اليد اليسرى؟”.
ويتحكم الجين (تي.يو.بي.بي4بي) في بروتين يندمج في خيوط تسمى الأنابيب الدقيقة، توفر البنية الداخلية للخلايا.
وقال فرانكس إن تحديد الطفرات النادرة في هذا الجين، التي تكون أكثر شيوعا في أصحاب اليد اليسرى، يشير إلى أن الأنابيب الدقيقة تشارك في تكوين عدم التناظر الطبيعي للدماغ.
-
“منظمة الصحة” تحذر من التهاب الدماغ وتدعو لإجراءات عالمية عاجلة
-
هل تختفي الذكريات المبكرة أم تبقى مخزنة في الدماغ؟
طفرات جينية نادرة
يبدأ نصفا الدماغ التطور بشكل مختلف في الأجنة، ولكن تبقى آلية تطورهما غير واضحة.
وأضاف فرانكس: “يمكن للطفرات الجينية النادرة لدى عدد قليل من الأشخاص تحديد الجينات الدالة على آليات تطور عدم تناظر الدماغ لدى جميع البشر. ويمكن أن يكون الجين (تي.يو.بي.بي.فور.بي) مثالا جيدا على ذلك”.
واستندت النتائج إلى بيانات وراثية تغطي أكثر من 350 ألف شخص في منتصف العمر وكبار السن في بريطانيا، 11% منهم عُسْر.
وقد يكون تحديد اليد المهيمنة عند معظم الأشخاص نتيجة الصدفة.
وقال فرانكس: “نعتقد أن معظم حالات العُسر تحدث ببساطة نتيجة الاختلاف العشوائي في أثناء نمو دماغ الجنين، من دون تأثيرات وراثية أو تأثر بالمجتمع المحيط. على سبيل المثال، التقلبات العشوائية في تركيزات جزيئات معينة خلال المراحل الرئيسية لتكوين الدماغ”.
واستخفت ثقافات على مر القرون بالعُسر، وحاولت إجبار مستخدمي اليد اليسرى على استخدام أيديهم اليمنى.
وفي اللغة الإنجليزية، كلمة “يمين (رايت)” تعني أيضا “صحيح” أو “مناسب”. وكلمة “شرير” مشتقة من كلمة لاتينية تعني “على الجانب الأيسر”.
التأثيرات الثقافية والنفسية
وذكر فرانكس أن انتشار استخدام اليد اليسرى يختلف في أجزاء متباينة من العالم، مع انخفاض المعدلات في أفريقيا وآسيا والشرق الأوسط مقارنة بأوروبا وأمريكا الشمالية.
وأضاف: “يعكس هذا على الأرجح قمع استخدام اليد اليسرى في بعض الثقافات. ما يجعل الأطفال الذين يستخدمون اليد اليسرى يتحولون إلى استخدام اليمنى، وهو ما كان يحدث أيضا في أوروبا وأمريكا الشمالية”.
وقد تكون للنتائج الجديدة استخدامات في مجال الطب النفسي.
-
كيف يغير الحمل الدماغ للأبد؟ لغز تأثيرات التسعة أشهر
-
فوائد صحية “مدهشة” للتبرع بالدم: كيف يحسن صحتك؟
وقال فرانكس إنه “في حين أن الغالبية العظمى من العُسر لا يعانون من مشكلات نفسية، فإن المصابين بالفصام هم أكثر عرضة بنحو الضعف لأن يستخدموا اليد اليسرى أو يجيدون استخدام كلتا اليدين. كما أن المصابين بالتوحد هم أكثر عرضة بثلاث مرات تقريبا”.
وأضاف فرانكس: “بعض الجينات التي لها دور في تطور الدماغ خلال المراحل المبكرة قد يكون لها دور في عدم تناظره وفي السمات النفسية. وجدت دراستنا أدلة توحي بذلك، وقد رأينا ذلك أيضا في دراسات سابقة، إذ نظرنا إلى الطفرات الجينية الأكثر شيوعا”.