أوروبا في مواجهة المدّ اليميني.. قمة طارئة لدعم الأحزاب الوسطية

يستخدم التيار السياسي السائد في أوروبا قضايا الإسكان وتنظيم وسائل التواصل الاجتماعي والهجرة والإنفاق الدفاعي للحد من زحف الشعبويين.
ويخوض قادة أوروبا بمعركة حياتهم، إذ ستركز القمة التي يعقدونها هذا الأسبوع، لأول مرة، على موضوعات تهدف إلى استعادة النفوذ من “أقصى اليمين”.
وظل السياسيون السائدون، من يمين الوسط ويسار الوسط والليبراليين على حد سواء، في السلطة في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، لكنهم يشاهدون سيطرتهم تتلاشى، ويأملون أن يُظهر المجلس الأوروبي يوم الخميس المقبل، أن التكتل يهتم بالقضايا التي جعلت الناخبين يشعرون بالاستياء.
وفي أكبر عواصم الكتلة، من باريس إلى روما وأمستردام وبرلين، تمكث القوى القومية وحتى المؤيدة لروسيا، في الحكم بالفعل أو على الأبواب، بعد أن أظهرت براعة في استغلال الغضب الشعبي، وفق مجلة “بوليتيكو” الأمريكية.
وقالت هانا نيومان، عضو البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر والعضو في لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان: ”إن الدفاع عن المشروع الأوروبي اليوم يعني أكثر من الاستثمار في جيوشنا – إنه يعني أيضًا الوفاء بالوعد الاجتماعي الذي يوحد أوروبا“.
الأجندة
تسيطر على جدول أعمال القمة المنتظرة مواضيع يربطها القادة بتحدي أساسي: منع حدوث سيناريو يجلس فيه 4 أو 5 قادة من أقصى اليمين، ربما يرفضون وجود الاتحاد الأوروبي نفسه، حول طاولة المجلس الأوروبي بعد بضع سنوات من الآن.
ووفق “بوليتيكو”، فإن هذا السيناريو، في حال حدوثه، سيثير تساؤلات كبيرة حول القوة العسكرية للغرب ومستقبل الكتلة نفسها.
وتعكس المسودة الأولية لنتائج القمة، التي اطلعت عليها “بوليتيكو”، والتي يعمل عليها الدبلوماسيون قبل تقديمها إلى قادتهم، هذا القلق الأساسي.
إذ من المقرر أن يناقش القادة قضايا الإسكان والدفاع والقدرة التنافسية والتحول الأخضر والرقمي والهجرة، وهي جميعها قضايا يعتبرها مسؤولو الحكومات الأوروبية حاسمة لاحتواء أقصى اليمين.
وقال دبلوماسي أوروبي شارك في التحضيرات، وتحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأن المداولات سرية، إن الاجتماع الذي يعقد في بروكسل هذا الأسبوع هو ”مجلس أوروبي يبحث عن هوية جديدة للاتحاد الأوروبي“.
وأضاف: ”هناك بحث صعب للغاية، مع عملية داخلية مؤلمة للغاية، لإيجاد إجابات للأسئلة التي فشل الاتحاد الأوروبي حتى الآن في فهمها“.
الأزمة الاجتماعية
وعلى وجه الخصوص، كان من المستحيل تصور إدراج قضية الإسكان على جدول الأعمال قبل بضع سنوات فقط. لكن أسعار المنازل أصبحت الآن محركًا للسياسة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، ودافعًا لأقصى اليمين لتحقيق انتصارات كبيرة.
في هولندا، فاز جيرت فيلدرز وحزبه ”الحرية“ (أقصى اليمين) في الانتخابات التشريعية عام 2023 بحملة انتخابية ركزت على أزمة السكن، والتي قال إنها تفاقمت بسبب المهاجرين وطالبي اللجوء.
وفي البرتغال، صعد حزب ”تشاغا“ ليصبح أكبر أحزاب المعارضة في البلاد هذا العام، بعد أن انتقد فشل الأحزاب التقليدية في معالجة ارتفاع أسعار المنازل.
وتأخر المجلس الأوروبي في معالجة هذه القضية. ووصفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين نقص المساكن بأنه أزمة اجتماعية، وعينت مفوضاً معيناً لشؤون الإسكان، هو الدنماركي دان يورغنسن الذي سيقدم أول خطة للإسكان الميسور التكلفة في الاتحاد الأوروبي في ديسمبر/كانون الأول.
وفي وقت سابق، قال رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، إن أزمة الإسكان تمثل تحديًا ملحًا بقدر هجوم روسيا على أوكرانيا.
وتابع: ”الطريقة الوحيدة لتعزيز ثقة المواطنين في المشروع الأوروبي هي إظهار قدرتنا على معالجة مشكلة الإسكان والمشاكل الملموسة التي تؤثر عليهم شخصيًا“.
صعود مستمر
ووفق بوليتيكو، فإن مسيرة الشعبويين في أوروبا أصبحت حقيقة واقعة بالفعل؛ فيكتور أوربان من المجر وروبرت فيكو من سلوفاكيا يجلسان على طاولة المجلس الأوروبي، مما يجعل من الصعب أو المستحيل في بعض الأحيان التوصل إلى قرارات بالإجماع.
وقد تنضم التشيك قريبًا إلى معسكرهما، بعد فوز الشعبوي اليميني أندريه بابيش في الانتخابات التي جرت في وقت سابق من هذا الشهر.
وفي سلوفينيا، يتصدر حزب رئيس الوزراء السابق المتشدد جانيز جانشا استطلاعات الرأي، وفقًا لاستطلاع “بوليتيكو”.
في أكبر دولتين وأقوى دولتين في الاتحاد الأوروبي، فرنسا وألمانيا، يزداد نفوذ أقصى اليمين أيضًا. تظهر استطلاعات الرأي مرارًا وتكرارًا أن جوردان بارديلا من حزب التجمع الوطني يتصدر مرشحي الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة في عام 2027.
فيما جاء حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) في المرتبة الثانية في الانتخابات البرلمانية العام الماضي، بل تضعه استطلاعات حاليا في صدارة القوى السياسية في البلاد.
مسألة الدفاع
في هذا السياق، يعد الدفاع موضوعا آخر يأمل التيار السائد في الاتحاد الأوروبي في معالجته.
إذ يمكن للازدهار الدفاعي، من الناحية النظرية، أن يحل محل صناعة السيارات الأوروبية المتعثرة، التي توفر ما يقرب من 14 مليون وظيفة، أو حوالي 6 في المائة من فرص العمل في الاتحاد الأوروبي.
ومن المقرر أن يكون هذا الموضوع على جدول أعمال القمة، حيث ربط رئيس وزراء سلوفاكيا فيتوس فيتوس دعمه لفرض عقوبات جديدة على روسيا بمساعدة قطاع السيارات، نظراً لمكانة سلوفاكيا كأكبر منتج للسيارات في العالم من حيث نصيب الفرد.
وقال دبلوماسي ثانٍ في الاتحاد الأوروبي إن: ”الدفاع هو المفتاح لمنع صعود أقصى اليمين، فهو يخلق فرص عمل“.